Author

كفى إساءة لاقتصادنا الوطني

|
يخطئ من يعتقد أن الاقتصاد الحر يعني فقط عدم تدخل الدولة في السوق أو المنافسة الحرة دون سقف أو تحرير الأسعار من القيود دون رقابة. يسيء إلى اقتصادنا الوطني من يسهم في نمو وازدهار اقتصاد الظل الذي يعتمد في الدرجة الأولى على السوق السوداء وتجار الشنطة والأنشطة الخفية ويتعارض مع أبسط قواعد آلية السوق المفتوح والمنافسة الشريفة. من يسيء لاقتصادنا الوطني هم المتسببون في حوادث القطار المتكررة، وتعطل الأنفاق التي رصدت لها الدولة مبالغ فلكية، والمتلاعبون بالأسهم، والذي رشا وارتشى واستغل الوظيفة العامة وتسبب في مضاعفة النتائج المأساوية في كوارث سيول جدة، وأصحاب الشيكات المرتجعة، ومن تسبب بأزمة انقطاع الغاز في أبها وخميس مشيط، والمسؤول عن انقطاع الكهرباء في الطائف ورفحاء وحفر الباطن، و"اللصوص الجدد" الذين يسرقون التيار عبر اعتدائهم على الشبكة الكهربائية، والمتسبب بارتفاع أسعار المياه في القنفذة، والمسؤول عن عطل محطة تزويد مطار جدة بالوقود، والمتلاعبون بالزكاة، والذين عطلوا إنشاء مشاريع عملاقة ما زالت على ورق. يسيء إلى اقتصادنا الوطني من يشارك بوصول سوق التأشيرات الوهمية إلى 2.4 مليار ريال سنوياً. وبالرغم من أن لدينا قوانين تحظر كل أشكال المتاجرة بالأشخاص، ما زال لدينا من يلوث اقتصاد الوطن ببيع التأشيرات والحصول على مقابل نظير تشغيل العامل، وتحصيل مبالغ مالية من العمال لتأشيرات الدخول والخروج أو رخصة العمل أو الإقامة. وتزداد المعضلة تعقيداً أن السوق السوداء تعمل تحت غطاء قانوني من خلال إصدار تأشيرات فوق الحاجة الشخصية ومن ثم بيعها في السوق. قرأت في دراسة نشرتها صحيفة "الاقتصادية" أنه خلال الفترة من 1421 إلى 1430هـ ازدادت العمالة غير النظامية بإجمالي متوسط بلغ 1.2 مليون عامل سنوياً يشكلون 27 في المائة من إجمالي العمالة الرسمية، تقدر أجورهم بنحو أربعة مليارات ريال لعام 1430هـ. وللمراكز التجارية نصيب من الإساءة لاقتصادنا الوطني. المستهلك المحلي العادي بسيط وينجرف بسهولة للعروض البراقة التي تروج ــــ حتى في الشهر المبارك ــــ لبعض المنتجات التي أوشكت مدة صلاحيتها على الانتهاء. قليل منا من يحرص على التمييز بين البدائل أو التحقق من صلاحية المواد الغذائية. التاجر يريد إفراغ مستودعاته من البضائع "القديمة"، فيحرص على ترويج تلك البضائع بأسعار بخسة في وضح النهار ما يتناقض مع أصول وآداب التجارة الحرة. أتمنى أن تتخذ أجهزة الرقابة مثل وزارة التجارة وحماية المستهلك إجراءات أكثر صرامة من حملاتها الإعلامية المعتادة. تشارك بعض مؤسساتنا الاقتصادية الحيوية أيضاً في الإساءة لاقتصادنا الوطني. ما زلت لا أجد تفسيراً مقنعاً لطول فترة الانتظار التي تقضيها السفن التجارية في الموانئ السعودية. يجب أن يعلم مديرو عموم الموانئ أن السفن التجارية بدأت تتحاشى التوقف في موانئنا أو حتى المرور منها بسبب إهمالنا في التعامل معها بمهنية وأن هذا يكبد اقتصادنا الوطني خسائر فادحة كان بالإمكان تفاديها. لا بد أن نعترف أن لدينا نقصا في الأرصفة الجيدة وعدم وجود ساحات واسعة وعدم كفاءة في تفريغ السفن الدولية. النتيجة هي طبعاً رفع أجور الشحن وبالتالي تحميل المستهلك الزيادة في الأسعار. وأما موضوع التستر التجاري وإلحاقه الأذى باقتصادنا الوطني فهو حديث ذو شجون. هل من المعقول أن لدينا 24 لجنة مختصة تحقق اليوم في قضايا تستر تجاري وخاصة في قطاع البناء والمقاولات وقطاع السلع الاستهلاكية تراوح بين 40 و60 قضية يومياً؟ التستر التجاري هو تمكين الوافد من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه أو بالاشتراك مع غيره محظور عليه ممارسته أصلاً. الغريب في الأمر أن التجار المخالفين ــــ وهم كثر ــــ ضربوا بعرض الحائط الموقف الشرعي تجاه ظاهرة التستر التجاري وكأنهم لم يسمعوا بفتوى هيئة كبار العلماء التي حرمت التستر على العمالة السائبة والمتخلفة والهاربة. استبشرنا خيراً من إيجابيات أداء وزارة التجارة في الأسابيع القليلة الماضية، والأمل ـــ بل الواجب ــــ أن تقوم إدارة مكافحة التستر التجاري بالتحري والتفتيش على المنشآت التجارية التي يشتبه في مخالفتها نظام مكافحة التستر التجاري. أقصد بذلك محال بيع الأقمشة، ومحال بيع الخضار والفواكه، والمخابز والمطاعم والبقالات الصغيرة منها والكبيرة. من ضمن ظاهرة الإساءة لاقتصادنا الوطني محدودية توظيف النساء. فقد أظهرت دراسة أخيرا أن السوق السعودية من بين الأقل توظيفا للإناث بفجوة تتعدى 22 في المائة بين الإناث والذكور. من غير المقبول أن نتربع هنا أيضاً في آخر القائمة مع رواندا وبوتسوانا من الدول الأقل توظيفا للإناث في العالم. من غير المقبول أن تكون أعداد الموظفات السعوديات العاملات في القطاع الخاص 100 ألف فقط حسب الإحصائيات الرسمية من مجموع أكثر من ثمانية ملايين أنثى سعودية. كذلك من غير المقبول أن تتجاوز نسبة النساء السعوديات 85 في المائة من أكثر من مليون و300 ألف عاطل مسجلين اليوم في بني حافز. إلا أن الوضع ليس كله قاتماً وسوداوياً فهناك مبادرات طيبة من الإنصاف ذكرها. المبادرة الأولى هي القرارات الخجولة والمتأخرة نسبياً التي أصدرتها وزارة العمل بتوفير فرص عمل جديدة للنساء السعوديات. من ضمن هذه الوظائف تأنيث محال بيع العباءات وفساتين السهرة وفساتين العرائس والإكسسوارات وتنظيم عمل المرأة في محاسبة المبيعات، إضافة لتنظيم عمل المرأة في المتنزهات العائلية وتأنيث أماكن إعداد وتجهيز الأكل في مطابخ المطاعم. أما المبادرة الثانية فهي لصندوق الأمير سلطان لتنمية المرأة والتي تقوم على أنشطته المضيئة نائب الأمين العام هناء الزهير وكان آخرها تمويل المشاريع المنزلية ما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي. يجب تشجيع ودعم مثل هذه المبادرات، لعلها تعيد توازن التنمية الاقتصادية.
إنشرها