مذكرات مبتعث 40 : شكرا يا أيها الكافرون

مذكرات مبتعث 40 : شكرا يا أيها الكافرون

لن أغضب ممن يخالفني الاعتقاد الديني حين يناديني بكافر ، كما انني لن أتورع في إضفاء لقب "كافر"على من لا يؤمن بمعتقدي الديني، فالمشكلة فقط حين يتنادى بهذا اللقب من هم على دين واحد ، كما حذرنا المصطفى صلى الله عليه و سلم بقوله: "من قال لأخيه يا كافرفقد باء بها أحدهما" ، و لذا فانني مسلم أعيش بين قوم كافرين بما أؤمن و أعتقد ، لكنني رأيت و سمعت و تلقيت منهم ما يستحق الشكر و التقدير و "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" و أقول مستعينا بالله مستلهما قوله تعالى:" وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " : شكرا على ابتساماتكم التي يذكرني دوما صديقي العزيز أبو معاذ انها ابتسامات صفراء ، و أنا أقول له ابتسامة صفراء خير من ملء الارض من تكشيرة خضراء! نعم إنهم يبتسمون بمجرد أن تقابلهم بوجهك ، و لا أظن أنه حب من نظرة أولى ، و لا انشراح برؤيتك ، لكن تبقى الحقيقة أنني أسر بتلك الابتسامة ، و أتذكر فورا : "تبسمك في وجه أخيك صدقة" ، أرى ذلك سلوكا من قوم كافرين بهذا الحديث و قائله صلى الله عليه و سلم! شكرا لإنسانيتكم و لثقتكم بي دون أن تعرفوني ، و هذه تستحق كتابا يؤلف ، و ستقول شكرا لما تجده من تعاطف معك حين تضعف بمرض او ظرف عائلي او اصابة فان حالة الطوارئ تعلن ، و تطلق الصافرات لنجدتك فقط لأنك "انسان"!!! بل تتعدى رحمتهم "لكل ذي كبد رطب" و هم لا يعلمون ما نعلم ، أقولها من تجربة ، و صديق لي كادت عينه تذرف حين أخبرته بفكرة المقال فقال: "بل ألف شكر و شكر على إنسانيتهم و ألف حسرة و حسرة على مسؤول سعودي مسلم مازلت أحاول افهامه الفرق بين طفل "معاق مشلول" و "مصاب بزكام"!! اقول له ابني مشلول فيقول ننتظر الطفل ليشفى فهل أدعو عليه أن يبتليه الله بما ابتلى ابني ليفهم أم أشكيه لخادم الحرمين؟" فقلت له : بل حاول للمرة الثالثة افهامه –هداه الله- و سأعد لك البرقية لخادم الحرمين فهو لا يرضى ذلك لنا ، و قد مل -حفظه الله- كما مللنا ممن لا يحمل هم المواطن و لا يستشعر عظم المسؤولية ! شكرا أيها الكافرون على اخلاصكم في عملكم واتقانكم له ، و لسان حالكم يقول "ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" عجيب اخلاصهم و تفانيهم، عجيبة تلك المدرسة ، و عجيب ذلك الموظف ، و عجيب ذلك التقديس للعمل ، و لاتهمني دوافع ذلك بل المهم عندي أنني أرى عملا ينجز باتقان و كأن رب العمل و رجل البوليس و القاضي و الشهود يراقبون! شكرا لكم أيها الكافرون على اقتصادكم في المعيشة ، و شعاركم "ما عال من اقتصد"، شكرا لكم على بساطتكم و تواضعكم ، فنحن ننادي الاساتذة في الجامعة بأسمائهم "حاف" بل و نتباسط في الحديث و التنكيت و كأنهم أصدقاء و ربما اختلفنا معهم في الرأي دون ان يقول موعدكم يوم النتيجة وما ذلك ببعيد!! و كأن فرعون قد بعث مرة أخرى و ينادي "أنا ربكم الاعلى"! شكرا لكم أيها الكافرون على ذوقكم في القيادة فلا حوادث و لا تهور و لا مضايقات في الطريق ، بل انك لتنتظر الالتفاف و تفاجأ بمن "يكبس لك بنور سيارته" فتفزع خوفا من ساهر او من شخص يريد بك شرا ثم تتذكر أنه يشير لك بالسماح بالالتفاف رغم أن أحقية السير له و هو -أقسم لك- أنه لا يعرفك و لا تعرفه! شكرا لكم أيها الكافرون و لبنوككم الربوية التي تفتح لنا حسابات اسلامية فلا تلوث أموالنا بربا و لاتنهشها برسوم ، و حين أزوركم أيها الكافرون لأتفقد بنساتي القليلة تستقبلونني بالابتسامة و الترحاب و تضيفونني بالقهوة ، و من الشاي ما طاب ، ثم تخبرونني كم سأنتظر بالدقيقة قبل أن يتفرغ لخدمتي موظف يشعرني بسلوكه و احترافيته أنني من كبار المودعين و هو يعلم انني من كبار الساحبين! شكرا لكم على اسرافكم في استخدام الكلمات الجميلة العذبة: Thank you , sorry, lovely and brilliant شكرا من الاعماق أقولها لكم يا أيها الكافرون فرغم ما يشاع من فضولكم الا أنكم تحبسون ذلك و تقاومونه ، و لو سولت لي نفسي أن أسير في الشارع لابسا –سروال و فنيلة و أعدكم الا أفعل- لما استوقفني أحد و لا تجرأ بالتقاط صورة لي فضلا عن معايرتي بقية حياتي و كأنكم قرأتم و فهمتم "من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه". شكرا يا أيها الكافرون لامتثالكم لأخلاق حفظناها و ما فهمناها ، و لا عقلناها و اكتفينا بشتمكم لاننا اختصرنا الاخلاق في مايستر العورة ، و كثير من بني قومي لا يعلم أنكم لم تعودوا تعترتفون لا بالدين و لا بالعادات و لا بالعورة ، و مع ذلك لديكم الكثير من "الأخلاق و القيم" مما تستحقون عليه الشكر و التقدير ، حري بنا ان نتنبه له كما أن لديكم الكثير مما لا نرضاه و لكنكم تفعلون الخير و انتم لا تخافون الله و نحن ندعي الخوف و التقوى و أختم بقوله تعالى: "قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون"!
إنشرها

أضف تعليق