دور الاندماج الاجتماعي في تحسين الأداء التعليمي للبمتعثين
درس كثير من التربويين مشكلة التأقلم أو الاندماج الاجتماعي للطلبة المبتعثين أو الطلبة الدارسين في بيئات أجنبية والذين يعود أكثرهم إلى بلدانهم بعد إنهاء دراستهم أو الذين يعدون أنفسهم للهجرة. وقد كان "دليل ميتشيجان لقائمة المشاكل التي يواجهها الطلبة الأجانب" من إعداد الدكتور جون بورتر عام 1396 والتي احتوت على حوالي 132 عنصرا يمكن أن تكون عائقة لتأقلم الطلبة الأجانب الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية دور في تحفيز هذه الدراسات. لقيت هذه الدراسات أهتماما أكاديميا بسبب ملاحظة الزيادة في أعداد الطلبة الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وربما لم يتجاوز عدد الطلبة السعوديين في أمريكا في ذلك الوقت خمسة آلاف طالب وطالبة.
والـتأقلم أو الاندماج الاجتماعي المقصود هنا هو كيفية تمكن الطالب أو الطالبة من التعامل مع العادات الاجتماعية والثقافية أو العوامل السلوكية والخصائص الشخصية لأفراد المجتمع وبما في ذلك البيئة والممارسات التعليمية داخل الجامعة وداخل الفصل الدراسي وfما يمكنه من المحافظة على قيمه الدينية وعاداته الاجتماعية وهويته الوطنية وثقافته الشخصية وحضارة مجتمعه. تناول المشاكل التي يواجهها الطلبة السعوديون الدكتور عبدالرحمن الجماز في أطروحته عام 1392 في جامعة ميتشيجان الحكومية والتي لقيت بعض توصياتها اهتماما من جهات الابتعاث في المملكة وذلك بإنشاء برنامج تحضيري للمبتعثين. كما درس هذه المشاكل الدكتور سعد الشدوخي في أطروحته لجامعة أوريجون الحكومية عام 1406 والتي طبق عليها نموذجا معدلا لدليل ميتشيجان وتوصل إلى توصيات مهمة في هذا الخصوص. ولا حظت أخيرا دراسة بأسلوب البحث النوعي في رسالة ماجستير للطالبة ناديا الشيخلي عام 1433 عن مهارات التفاعل الحضاري لطالبات سعويات وخاصة احترام الحضارة الوطنية إضافة إلى حضارات الآخرين ومن ذلك الانفتاح الفكري أي عدم إصدار أحكام مطلقة على ثقافات الآخرين مع أهمية التعمق في البيئات الثقافية للأمم الأخرى. وأخيرا كذلك تابعت أستاذة اللغة الإنجليزية راديكا جاديف استراتيجيات في تعليم ثلاثة طلبة سعوديين اللغة الإنجليزية في جامعة سنغافورة الوطنية. معظم هذه الدراسات وغيرها تشير إلى جدية كثير من الطلبة السعوديين في تحصيلهم الأكاديمي وتشير بموضعية إلى الصعوبات التي تواجههم وأحيانا تواجه الطلبة الأجانب الدارسين في غير بلدانهم. وتشيد كثير من الدراسات الحديثة ببرنامج الملك عبدالله للأبتعاث الخارجي وتعده من معالم الطريق في التفاعل السعودي-العالمي في سياق الإشارة إلى تاريخ التواصل البشري. ويرى المتابع للدراسات أن البرنامج متعدد الأهداف لعل من أبسطها تعلم اللغات الأجنبية والالتحاق بجامعات أفضل والتعرف على خبرات أكبر والتفاعل والتآلف الحضاري والثقافي واستمرار التنمية المستدامة للدولة وتزويد القطاعين العام والخاص بالقوى العاملة المؤهلة والعناية بالاقتصاد المعرفي.
أود الإشارة هنا إلى أنه من المشاكل التي يقابلها الدارسون السعوديون في الخارج تعلم اللغات الأجنبية. فعلى سبيل المثال، تجيز تعليمات البعثات في المملكة سنة لدراسة اللغة وربما تمددت إلى ستة أشهر أخرى ويوجد من لا يتمكن من ذلك حتى بعد دراسة سنتين كاملتين من اجتياز المتطلبات في اللغة الإنجليزية والتي سبق له دراسة مالايقل عن ست سنوات في المرحلتين المتوسطة والثانوية للمبتعثين للدراسة الجامعية وربما درسها بعض المبتعثين كمتطلب اجباري في كثير من الجامعات السعودية للمبتعثين للدراسات العليا. كما أن بعض الطلبة درسوا اللغة الإنجليزية طوال مدة دراستهم السابقة وهم الدارسين في مدارس التعليم العام الأهلي وستتعامل البعثات مع طلبة كانوا يتعلمون اللغة الإنجليزية منذ السنة الدراسية الخامسة من المرحلة الإبتدائية. والسؤال البديهي ماهي الجدوى من الصرف طوال هذه السنوات وفي المدارس الحكومية أو الخاصة على تعلم اللغة الانجليزية، بما في ذالك إعداد المناهج وتأليف الكتب وتأهيل المدرسين والتدريب والتوجيه التربوي، إذا كانت النتيجة تمويل ما يقارب من سنتين لتعلم اللغة وضياع سنتين أو أكثرمن عمر طلبتنا وطلابنا كان من الممكن أن تُضاف إلى حياتهم العملية وإلى الإسهام في التنمية الأقتصادية للدولة.
يختلف الطلبة الأجانب عموما والسعوديون على وجه الخصوص في التأقلم والموائمة الحياتية مع البيئات والتقاليد والممارسات والقيم في دول الغربة بما في ذلك في الالتزام الدقيق بالمواعيد واستخدام عبارات اللياقة (من فضلك، ولو سمحت وهل من الممكن، ...) واستخدام وسائل النقل العام والتعود على ساعات العمل والتأقلم مع ساعات الليل والنهار، في بعض الدول، ونوعية الأطعمة وطبيعة الملابس والاستقلالية الذاتية للبنات والأولاد وتنظيم المصروفات. ومن الممارسات في النواحي الاكاديمية التركيز على الطالب كمحور للتعلم عوضا عن المدرس كمحور للتعليم والقدرة على كتابة التقارير بلغة أكاديمية وتقديم العروض العلمية والحوار وتقبل النقد واحترام اراء الاخرين والنقاش بهدؤ وروية. ومن ذالك القدرة على التعامل مع الجنس الاخر من الطلبة والمدرسين والاداريين والمشرفين الاكاديمين والتعرف بمهنية على الحقوق والواجبات وتفادي الممنوعات مثل الانتحال في الكتابة والتأليف والتأكيد على الاستشهاد بأقوال الاخرين وحقوقهم الفكرية. بالاضافة الى الانضباط في التعامل مع الجيران في السكن وفي المكتبة والمكتب والحقوق الاسرية للأطفال والأزواج والزوجات.
عنيت دراسات متعددة بكثير من هذه المشاكل والصعوبات التي تواجه الطلبة الاجانب في بلدان دراستهم مثل طلبة شرق اسيا وطلبة أمريكا اللاتينية و دول اوروبا الشرقية وبعض الدول الافريقية. وتوصلت هذه الدراسات الى مقارنات في التأقلم والاندماج بين طلبة هذة الاقاليم وتوصلت الى توصيات متعددة استفادت منها الجهات الممولة لبعثاتهم والجامعات المضيفة لهم بالاضافة الى استفادة الطلبة انفسهم. انعكست هذه الدراسات على تيسير سرعة تعلم اللغة وكفاءة التحصيل العلمي للطلبة.
يُعد برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي من أكبر البرامج الوطنية الممولة حكوميا في العالم استفاد وسيستفيد منه منذ بدايته وحتى انتهاء مرحلته الثانية مئات الآلاف من الطلبة، ويكلف مليارات الريالات سنويا وله أثر تعليمي وحضاري وثقافي وهو مشروع ريادي في التواصل العالمي وحوار الحضارات والتبادل العلمي والتنمية الاقتصادية والمجتمعية. من المؤكد أن عدد الطلبة المستفيدين من هذا البرنامج يتجاوز عدد طلبة أي جامعة في المملكة بل وربما تجاوز عددهم عدد الطلبة في ست أو سبع جامعات من الحجم المتوسط فالمملكة أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية أو عشر جامعات بريطانية أو استرالية. في ظني أن التعرف على كل عوامل التأقلم الاجتماعي والتكيف الشخصي والاندماج الثقافي والتفاعل المعرفي لمنسوبي برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، وهي كثيرة ومتعددة ومعقد بعضها، واخضاعها للدراسة والبحث العلمي الممنهج، لا يقل أهمية عن دراسة مشاكل بحثية بحته في بعض التخصصات الطبية أو الهندسية. ودعوتي للمعنيين في هذا البرنامج الرائد أن يعتني الطلبة وجهات الابتعاث والباحثين في كليات التربية في الجامعات السعودية والمراكز المعنية بابحاث التعليم العالي في الجامعات بتوجية بعض الرسائل العلمية وبحوث الماجستير والدكتوراة وبعض مشاريع البحوث أو كراسي البحث أو مراكز التميز، إن كان ذلك ممكنا، لدراسة مشاكل طلابنا بغرض تحسين أدائهم الاكاديمي وتحفيز دورهم الاجتماعي في الخارج ودعم أثرهم العلمي والثقافي والحضاري في الخارج. قد يكون المجال الذي يمكن إضافته عاجلا للتخصصات المرغوب الدراسة فيها هو دراسات تعني وتبحث في برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي.
أضف تعليق