Author

الدوري أم المنتخب؟

|
يجتذب الدوري الإسباني، السعوديين، فينقسمون أمامه بين مدريديين وبرشلونيين، ولا يهتمون بنتائج الفرق الأخرى بل ربما لا يتابعون بقية المباريات، ما يعني أن متابعتهم لفريقين فقط توازي متابعة أحداث أقوى دوري في العالم كله، الدوري الإنجليزي. وفي دراسة لقناة أبو ظبي المالكة لحقوق الدوري الإنجليزي في المنطقة، وجدت أن أعلى نسبة مشتركين بين مشاهدي القناة الباحثين عن متعة الدوري الأكثر متعة في العالم، هم من الكويت الأكثر بحثا عن كرة الإنجليز، نسبة وتناسبا مع عدد السكان، بينما يكتسح السعوديون أقرانهم في شراء عروض الجزيرة الرياضية للدوري الإسباني. يهتم الإنجليز بالعمل المؤسس القائم على القانون، فأصبحت الأندية أشبه بمدارس رياضية تخضع لقانون لا يمكن كسره ولأدبيات راسخة يلتزم الجميع بها، ولا أدل على ذلك من مانشستر يونايتد العريق الذي لا يسمح فيه المربي والمدرب فيرجسون للاعبين الصاعدين بارتداء الأحذية الرياضية الملونة قبل أن ينتقلوا إلى مصاف النجوم. وهو يرى في ذلك تهذيبا كبيرا للأسماء الصاعدة. وأظن فيرجي سيشد رأسه إذا علم أن اللاعب السعودي الصاعد يملك موقعا على الإنترنت وهو لا يعرفه بعد إلا أبويه وقلة قليلة من أصدقائه. ولا يترك الإنجليز أي فرصة للظروف لإحداث ثغرة ما، يكفي أن نعلم أن من يتسلمون ميداليات ضمن الفرق المتوجة معروف مسبقا بحسب المباريات التي لعبوها، والطريق هنا مقطوع على كل إداري مغمور أو معروف ينشد الفلاشات. الانضباطية العالية في الدوري الإنجليزي تمثلت في دور لجنة الانضباط التي أوقفت مدرب ليفربول في عام من الأعوام، بسبب أنه سُئل عن أداء حكم المباراة في المؤتمر الصحافي، فما كان منه إلا أن خلع نظارته وأعادها إلى مكانها مستقرة فوق أنفه دون أن ينبس ببنت شفه، في اليوم التالي أعلنت لجنة الانضباط تغريم المدرب، موضحة أنه قصد بتصرفه أن الحكم يرى ما يريد فقط ويغض الطرف عما لا يريد، وأظن لجنة الانضباط الإنجليزية (ستعمل نفسها ميتة) أمام قرارات نظيرتها السعودية حيال السخرية العالية المكشوفة التي يواجه بها حكامنا في دورينا المحلي. كل هذا، مر في خاطري وأنا أشاهد المنتخب الإسباني يعلن نفسه ملكا متوجا بعرش الكرة الأوروبية والعالمية، مستدعيا السؤال الممل والمكرر: هل المنتخب القوي نتاج دوري قوي؟ الجواب البدهي لهذا السؤال هو نعم، والجواب المتعمق الناتج عن بحث يقول: ليس تماما. إذا اتفقنا أن الدوري القوي هو الذي لا يمكن توقع أي نتيجة لمباراة فيه، وأنه الأكثر دقة في مواعيده والأكثر التزاما بالقانون، والأكثر اجتذابا للمتابعين حول العالم، فنحن نتحدث عن الدوري الإنجليزي، ويأتيك السؤال مستعجلا: أين المنتخب الإنجليزي؟ وما آخر بطولة حققها المنتخب الأبيض؟ في المقابل، يغيب المنتخب الإسباني ويحضر، تبعا لشدة المنافسة بين الغريمين برشلونة والريال، وفي الفترة التي بزغ فيها ديبورتيفو لاكورونا على الساحة المحلية هناك، لم يكن لمنتخب الثيران أي وجود على الخريطة العالمية. إنها معادلة صعبة، تجعلنا نعيد حساباتنا في كل خططنا الرياضية، وتجعلنا نحدد أهدافنا بدقة، هل نسعى لبناء منتخب أم مسابقات رياضية محترمة، وللتبسيط أقول، ليس كل منتخب ناجح وليد دوري ناجح، ونحن في حاجة إلى الاثنين، ولكل منهما خطة خاصة منفردة، تتقاطع فيها الخطوط مع بعضها أحيانا وتتفرق عند الاقتراب من الهدف. في رأيي، الإنجليز نجحوا في تنظيم أفضل دوري في العالم، بخطة مؤسسية واضحة، ولم يتنبهوا إلى أن المنتخب يحتاج إلى خطة أخرى. في المقابل، نجح الإسبان في بناء دوري قوي، ومنتخب أقوى بخطتين منفصلتين. قبل أن نبدأ في العمل علينا أن نتذكر مقولة المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي حين قال: نحن لا نستطيع أن نصنع التاريخ بتقليد خُطى الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها، بل بأن نفتح دروباً جديدة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها