Author

لماذا لا نكون في المقدمة

|
السؤال عن سبب التخلف عن ركب التقدم سؤال مكرور يطرح يومياً في المجالس الخاصة والمنتديات الفكرية والندوات العلمية، ولكنه يستحق مزيداً من الدراسة والتأمل، خاصة أنه لم يتحقق شيء يذكر على أرض الواقع. فدائماً يُقال: ''نحن نستهلك مخترعات الآخرين وصناعاتهم من الإبرة إلى السيارة، ولا ننتج أيا منها''! وخير مثال على ذلك المقالة الهادفة التي تنسب للشيخ عايض القرني بعنوان ''الفرق بين العرب والغرب نقطة''، والتي تحمل دلالات كبيرة تلخص بعض أسباب التخلف الذي تعيشه المجتمعات العربية. الأمر الإيجابي أن هناك اعترافاً بالتقصير في اللحاق بركب التقدم على مختلف المستويات. ولكن على الرغم من هذا الاعتراف ومع كثرة النقاش والندوات حول الموضوع، لا يوجد ما يشفي الغليل! إن ما هو موجود لا يتجاوز أطروحات نظرية لا تستند على دراسات إحصائية، ولم تترجم إلى برامج عمل تسهم في إنعاش الدول العربية وتحفيزها للتحرك أو على الأقل وضع الأولويات المهمة وتحديد الاتجاه المناسب، ورسم الطريق الأفضل للحاق بركب الأمم الأخرى. لا أقصد اللحاق بالدول المتقدمة، لأنها تجاوزت الدول العربية بمسافات شاسعة، ولكن ماذا عن اللحاق بدول مثل كوريا وماليزيا والبرازيل والهند التي كانت بالأمس القريب ترزح تحت نير الفقر وتعاني من انتشار الأمية وتدني مستوى التعليم! ويبقى السؤال: ما أسباب التخلف الذي تعيشه الدول العربية؟! لا بد أن تكون الإجابة هي التعليم ثم التعليم ثم التعليم، ثم أمور أخرى بعد ذلك، منها حرية التعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرارات! لا شك أن ''التقدم'': بمعناه الواسع هو ''ثقافة'' بركائز ومكونات متعددة، تشمل تغيير قيم العمل وأخلاقياته، وتتضمن احترام آراء الآخرين، وتقدير الاختلافات بدلا من محاربتها، واحترام الوقت، ولا يقل عن ذلك أهمية الشعور بالانتماء للوطن الواحد الذي يقوم على العدالة والمساواة والشفافية. ولكن مع الأسف يلاحظ ضعف الأداء في كل هذه المكونات في الدول العربية. لا شك أن الفساد والأنظمة القمعية التي تسعى لمصالحها قبل كل شيء هي أسباب خفية أو ظاهرة تقف وراء هذا الكساد الفكري والركود العلمي والتقني، لأن ديمومة الكراسي هي الهدف الذي يحظى بالأولوية في معظم الحالات، ولنا فيما يفعله النظام السوري في شعبه مثالا حيا، نظام يسحق القرى والمدن ويدمر البنية التحية ويقتل الأطفال والشيوخ والشباب من أجل البقاء على الكراسي والاستمرار في استنزاف مقدرات الشعب السوري، فشركات الاتصال يمتلكها النظام أو أنصاره والقنوات الفضائية كذلك والمشروعات الحكومية قبل ذلك! نظام كهذا لا يُعد وطنياً وإنما استعمارياً، والاستعمار ــــ كما تعرفون ـــــ لا يسعى لتطوير المستعمرات وإنما استغلالها، إن هذا هو شأن معظم الدول العربية، إلا من رحم ربي! في الختام أرجو أن نخطو خطوة إلى الإمام ونطرح السؤال إلى متى سنبقى في مؤخرة الركب؟ وكيف نخطو خطوات إلى الأمام؟ فلو توقف النفط توقفت التنمية في الدول النفطية وغير النفطية لعدم وجود تنمية بشرية حقيقية. أقول غير النفطية كذلك، لأنها مع الأسف تعتمد على النفط إلى حد كبير من خلال الاستثمارات النفطية وتشغيل العمالة في الدول النفطية، مما أسهم في إنعاش اقتصادات تلك الدول (أي غير النفطية) من خلال التحويلات النقدية، ناهيك عن سياحة أبناء الشعوب النفطية واستثماراتهم وبعض المساعدات التي تقدمها ــــ دون منّة ــــ الدول النفطية للدول غير النفطية.
إنشرها