Author

الفساد في هيئة المهندسين.. هل هو صورة لواقع الهيئات المهنية؟

|
لعل أهم ما يجب أن تقوم به هيئة الفساد الآن هو تحديد تعريف واضح لمعنى ومفهوم كلمة الفساد. فقد أصبح التراشق باتهامات الفساد أمرا شائعا، والخلاف على قواعد وقرارات قانونية وتفسيرات هذه القواعد يعد فسادا، وهو ما لم يقله به أحد من قبل. وفي المقابل فإن التعسف الإداري وتعقيد الأعمال وتأخير المشاريع حتى تتعثر بسبب التباطؤ في القرارات الإدارية يسمى حزما إداريا عند البعض. هذا الخلاف في مفهوم كلمة الفساد وما تحمله من معان يوضحه بجلاء ما تتعرض له هيئة المهندسين السعوديين من خلافات عاصفة بين أعضائها. فالجميع هناك يتهم الجميع بالفساد. وما يراه البعض حق إداري وعملية اتخاذ قرار ممنوحة بالنظام يراه الآخر تجاوزات مالية غير مبررة. حتى أصبح الحل في تشكيل لجنة محايدة للفصل بين أبناء مهنة واحدة. ليست هيئة المهندسين فريدة في هذا التنازع، بل إن الهيئات المهنية في المملكة تتعرض لكثير من العواصف المهنية، وذلك بسبب خلل تشريعي كبير في جميع هذه الهيئات تقريبا. فالعلاقات التنظيمية بين الجمعية العمومية التي تمثل المهنيين ومجلس الإدارة علاقة مضطربة وغير واضحة المعالم وتفتق الأطر التشريعية الكافية. ولعل السبب يعود جزئيا إلى تدخل الوزارات بشكل مباشر في أعمال هذه الهيئات، الأمر الذي يوحي بقوة تشريعية لعديد من القرارات الاستراتيجية التي يتخذها المجلس دون الحاجة لأخذ موافقة الجمعية العمومية أو حتى عرض الأمر عليها، وذلك لأن الوزير هو رئيس مجلس الإدارة. لهذا ينتقل المجلس دائما من القرارات التي تمس أعمال الهيئة وخططها الاستراتيجية وإدارة مواردها إلى إصدار تشريعات مهنية تمس المهنيين على مستوى الدولة، دون الرجوع إليهم في الجمعية العمومية ظنا بأن التشريع المهني حق مطلق للمجلس على كل حال. فبعض القرارات التي تمس المهنيين بشكل عام يجب ألا ينفرد بها أعضاء مجلس الإدارة حتى ولو كانوا أعضاء منتخبين أو على رأسهم وزير. فانتخابهم ليس للتشريع بل لإدارة أعمال الهيئة، ويجب أن يكون للجمعية العمومية بعض حقوق التصويت على القرارات التي ستؤثر في المهنة وأعمال المهنيين. المشكلة الأكثر تعقيدا أن أنظمة هذه الهيئات تصاغ من أجل منح مجلس الإدارة صلاحيات تشريعية بعيدا عن رقابة الجمعية العمومية، مما يتسبب في تهميشها فعليا، بل فقدان دورها كجامعة لكلمة المهنيين. ولهذا انحسرت النظرة لرسوم العضوية في الجمعيات والهيئات المهنية في مفهوم التصويت لاختيار أعضاء مجلس الإدارة وفي الحصول على منشورات مهنية ودوراتها تدريبية فقط، وهذا بلا شك مخل جدا بمفهوم الجمعية العمومية ذات الأهداف التشريعية. لذلك ما إن تصدر التشريعات التي تمس المهنيين حتى تبدأ سلسلة من الصراعات غير المنتهية واتهامات بالفساد واستغلال المجلس لتمرير قرارات ما كانت لتمر لو أن الموضوع قد عرض على الجمعية العمومية. ومع كل دورة لانتخاب أعضاء مجلس الإدارة تظهر صراعات حقيقية لدخول المجلس من أجل تفادي إصدار مشروع أو تشريع أو معايير مهنية معنية. ومن أجل هذا أيضا ولتحقيق النصر في هذا الصراع فإن أبسط أساليبه هي الاتهامات المتبادلة بالفساد والتأخير في تطوير المهنة. وذلك بالطبع دون أن نعرف من هو المفسد؟ ومن وجهة نظر من؟ وفي نهاية المطاف فإن العمل المهني يصبح ثغرة حقيقية ينفذ منها غير المهنيين طالما أصحاب المهنية الفعليين منشغلون بمشاكل تشريعية كان يجب أن تحسم من خلال التصويت التشريعي وترفع بعد ذلك إلى الأجهزة المختصة في الدولة لإقرارها. في هذا الإطار يمكن قراءة حال هيئة المهندسين السعوديين وحال مهنة الهندسة في المملكة. وطالما نحن نعمل وفقا لهذه لمنظومة الشائكة بين وزارة ومجلس إدارة يرأسه الوزير وبين جمعية عمومية معطله تشريعيا، فإن واقع الهيئات الأخرى قد لا يختلف كثيرا عن هيئة المحاسبين وكل ما تحتاج إليه هو خلاف عميق حول مشروع يمس المهنيين بشكل مباشر أو بعضا من كبارهم لتظهر اتهامات متبادلة بالفساد يتدخل الوزير لحلها.
إنشرها