Author

نايف جمع الأمن والفكر والتعليم بالعقيدة

|
عندما يرحل الكبار يكون لهذا الرحيل دوي وفاجعة كبيرة، ووفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، هي من هذا النوع، فقد لامست قلوب جميع السعوديين على امتداد المملكة المترامية الأطراف. كيف لا ونحن نعيش في دعة من الأمن والأمان، بفضل من الله ثم بجهد وتصميم هذا الرجل الفذ، الذي يعد قائدا محنكا بكل ما تعني الكلمة، فهو رحمه الله رحمة واسعة كان من القادة الذين يتمتعون بجملة من الخصال والمزايا والمواهب والحنكة، لذا تجده، رحمه الله، في كل ميدان من حراسته لأمن هذه البلاد الطاهرة إلى رعايته للعلم والعلماء إلى ما عرف عنه من حس إنساني كبير، فهو من رعى حملات الإغاثة وأشرف عليها. والمتتبع لسيرته الحافلة طوال أكثر من ثلاثة عقود، يجد أنه تعامل مع عدة ملفات جسيمة وكبيرة وتمكن بحكمة وسياسة قل مثيلها من معالجتها والتعامل معها. فالأزمات التي تعصف بالمنطقة كانت متواصلة ومستمرة وكانت تخلف أزمات أمنية واجتماعية لها أثر بالغ في الجميع، تلك الملفات كانت بلا شك على مكتب صاحب السمو أسد السنة - رحمه الله - نايف بن عبد العزيز. وتعامل معها رغم تغير الأوقات والمعطيات ولم يكن بمعزل عن محيطه في بلد يشكل الشباب النسبة الكبرى منه. أقول لم يكن نايف بن عبد العزيز رجل أمن وحسب، إنما كان رجل علم ومحبا لنشره ورعايته والاهتمام به. فقد أشرف وافتتح المؤتمرات والندوات، وفي هذا السياق قدم المال والجهد والفكر، ورعى وأنشأ جائزة الأمير نايف للسنة النبوية ورعايته وموافقته على إنشاء الكراسي العلمية والمراكز البحثية، بل اهتم - رحمه الله - بهذا المجال، فكان اسمه يحمل العديد من الكراسي العلمية منها كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري، وكرسي الأمير نايف لدراسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكرسي الأمير نايف العالمي للثقافة والعلوم، وكرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية، ولحرصه - رحمه الله - على إظهار الوجه المشرق والصحيح للدين الإسلامي ونشر اللغة العربية أنشأ قسم الأمير نايف للدراسات الإسلامية واللغة العربية في جامعة موسكو. كما كان لبعد نظره وذكائه - رحمه الله، أنه لم يجعل الحرب على الإرهاب والتطرف الفكري من جانبها الأمني وحسب، إنما عالج هذه القضية منطلقا من مبدأ الحوار والمناصحة، فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، وهو بهذا المسلك كان يخالف ما تعودت الأجهزة الأمنية في كل أرجاء العالم عليه عندما تعالج قضايا إجرامية مثل الإرهاب والعنف بمكافحته بالعنف، وأمام إنجازاته في هذا الحقل الذي عاناه العالم بأسره، كان النموذج السعودي في محاربة الإرهاب محل تقدير وإشادة، بل إن هناك الكثير من الدول سارعت للاستفادة من التجربة والخبرة السعودية في هذا المضمار، ولعل الجميع يعلم أن المنظمة الدولية - الأمم المتحدة طلبت أن تطلع على كل تفاصيل برنامج المناصحة السعودي بعد نجاحه، وما كتبته الكثير من الصحف والتقارير الإخبارية التي كانت تنوه بنتائجه الإيجابية ومدى الإقبال والنجاح الذي لقيه، ما أسهم في تجفيف منابع الإرهاب والفكر المتطرف. وجميعنا نعلم أن أكبر جهاز أمني في مكافحة الإرهاب وهي الولايات المتحدة استفادت من مدرسة نايف بن عبد العزيز. لقد كان من الصعب أن يكون شخص في موقعه ويتحمل مسؤولياته ويستطيع أن يحدث هذا التوازن من الحكمة والصرامة واللين بعقل وروية للتعامل مع جميع تلك المعضلات. أضرب مثالا ببرنامج المناصحة كمثال على حكمة وذكاء وبعد نظر الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله، حيث لا يخلو برنامج لقناة إخبارية أمريكية من وقت إلى آخر حين تتم لقاءات وحوارات مع أعضاء من الكونجرس أو أعضاء في مجلس الشيوخ، ويأتي الحديث عن الإرهاب، إلا ويطرح برنامج الأمير نايف للمناصحة، كنموذج لمعالجة هذه القضية بنجاح. غني عن القول إنه كان لبعد نظر الأمير نايف وحكمته الأثر الكبير لحماية المملكة وأبنائها من الفكر المتطرف الإرهابي. لقد كان - رحمه الله، متعدد المواهب، ورجل المواقف الصعبة بكل ما تعني الكلمة، ولا شك أن مصابنا جلل وفقيدنا كبير وعزيز.. أسأل الله أن يتغمده برحمته ومغفرته وأن يجزه عنا وعن كل ما قدمه لوطنه وشعبه خير الجزاء. حين تقرأ للعظماء وما يجب أن تتعلمه الأجيال منهم مثل إبراهام لينكلن حين جمع الفرقاء في الولايات المتحدة وجلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه، حين جمع مناطق المملكة المترامية الأطراف بحكمته، يأتي الأمير نايف كمدرسة جمعت الأمن بالفكر والتعليم وربطها بعقيدة المجتمع وإنسانيته.
إنشرها