Author

«المعنويات» الاقتصادية والتدفقات الاستثمارية

|
أن تنخفض التدفقات الاستثمارية للاقتصادات الناشئة، أمر ليس مستغرباً، في ظل هشاشة النمو في الاقتصاد العالمي ككل، واستمرار تفاوت التوقعات (بل تضاربها في بعض الأحيان)، حول مستقبل هذا النمو، ليس في العام المقبل، بل في الأعوام القليلة التي تليه. فالعالم اليوم يعيش اضطراباً اقتصادياً يصعب على أي جهة أن تدعي قراءة سليمة وواقعية لحراكه حتى في السنوات المتبقية من العقد الجاري. وعلينا فقط مراجعة التوقعات التي يطلقها المختصون (بمناسبة وغير مناسبة)، حول حراك الاقتصاد العالمي، التي تراوح بين اليأس والخوف، بل الأمل المفقود.. مع بعض ''المعنويات'' الاقتصادية غير العالية. وهذا ينعكس على كل شيء، بما في ذلك التدفقات المالية المهمة جداً للاقتصادات الناشئة. غير أن الصورة غير المُشرقة (كتوصيف معتدل للاقتصاد العالمي)، لا تعني أن هذه التدفقات ستتراجع بصورة ''ثورية'' في الأعوام المقبلة. فقد استعادت بعض العافية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، ليس بسبب الملاءة المالية لرأس المال الخاص، بل للمغريات التي توفرها الأسواق الناشئة للمستثمرين، وهذا في الواقع ''رصيد'' يقلل من الآثار السلبية لـ ''التخبط'' الاقتصادي العالمي. وعلى هذا الأساس، يمكن فهم وصول هذا النوع من التدفقات المالية في عام 2011 إلى 1030 مليار دولار، مع فهم مصاحب لإمكانية تراجعها مع نهاية العام الجاري إلى 912 مليار دولار. فالهزات الجديدة التي تعرض لها رأس المال الخاص في الأشهر القليلة الماضية، تدعم التوقعات لعام 2012، وإن كانت لا تضمن أن تتحول إلى حقائق في الشهر الأخير من العام المذكور. والأمر ينطبق أيضاً على توقعات عام 2013، لمعهد التمويل الدولي، الذي يتحدث عن تأرجح التدفقات المالية للأسواق الناشئة في حدود 1000 مليار دولار، أقل 30 مليارا عمّا سجلته في عام 2011. مرة أخرى، تبدو الإشارة ضرورية هنا، إلى أن توقعات التدفقات المالية مرتبطة بتوقعات نمو الاقتصاد العالمي غير الواضح، بل غير المضمون. بين عام 2011 ونهاية العام الجاري – حسب معهد التمويل الدولي- ستستفيد سبع دول في الشرق الأوسط (من بينها السعودية والإمارات) من أربعة مليارات إضافية في التدفقات المالية إليها، أي أنها سترتفع من 58 إلى 62 مليار دولار. ورغم الدلالات الجيدة لمثل هذا الارتفاع (غير المضمون مرة أخرى)، إلا أنه لا يزال دون المستوى المأمول، خصوصاً أنه مرتبط بتحسن الأوضاع السياسية في دولة كمصر، لا تزال تشهد (بعد ثورتها) ''رعباً'' استثمارياً في أوساط من يرغب في خوض غمار الاستثمار فيها، إلى جانب طبعاً أن التدفقات المتوقعة لكل من المملكة والإمارات، لا تمثل محوراً استثمارياً يُذكر قياساً بحجم اقتصاديهما (إقليمياً)، والتسهيلات والضمانات والتشريعات.. بل الأمان الاقتصادي فيهما. والتعافي في مجال هذا النوع من التدفقات (طبقاً لمعهد التمويل)، في الأشهر الأولى من العام الجاري، لا يمكن البناء عليه، بينما تنتج أزمة اليورو (على سبيل المثال) أزمة تلو الأخرى، في حين باتت الشكوك تحوم حتى حول أهلية قادة منطقة اليورو في إدارة الأزمة. وتكفي الإشارة إلى أن هذه التدفقات شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في بداية عام 2011، لكنها انحدرت في الأشهر الأخيرة منه. وعلى هذا الأساس، سيكون واقعياً أن يعيد المشهد إنتاج نفسه في نهاية عام 2012. واللافت أن ''المعهد'' توقع مطلع العام الحالي أن يصل حجم التدفقات المالية للأسواق الناشئة بنهايته إلى 740 مليار دولار، ليعود في منتصفه متوقعاً ارتفاعاً له مع مطلع العام المقبل! على كل حال، كل شيء مرتبط مباشرة بنمو الاقتصاد العالمي، الذي لن يتجرأ أحد على الادعاء بتوقعات إيجابية لهذا النمو، كما لن يتجرأ أحد في المستقبل المنظور على أن يتنبأ بازدهار مستدام لهذا الاقتصاد.
إنشرها