Author

«كفو والله»..

|
في الأمس نشرت هنا مقالتي عن ''ماجد ورنا'' اللذين شاء الله أن يصابا بمرض السمنة الخبيث، مع داء الفيل عند ماجد حتى أوشكت أن تتعطل وظائفهما الحيوية. والمقال كتب ونشر قبل وصول خبرٍ نشرته جريدة ''سَبق'' الإلكترونية التي تثبت أنها برقُ الأخبار الصحفية في البلاد، فهي ''سبّاقة'' دوماً بالأخبار العاجلة قبل حتى أن يفتح آخرون عيونهم، وأجد في الجريدة تفوقاً ونجاحاً ومهنيةً عزّت على مثيلاتها. والخبر كان عن أن الملك عبد الله - أطال الله عمره - أمر بالحال بعلاج ''ماجد ورنا'' وإرسالهما لأفضل المستشفيات.. وكانت الفرحة غامرة، وكان كل من عرف ''ماجد ورنا'' قد وضعوا حملة في ''تويتر'' تصرخ لإنقاذ الشابيْن قبل أن يتعطل قلباهما من الجهد الهائل الذي يبذلانه. كما تواصل معي شبابُ رحيمة المدينة التي ينتمي إليها الأخوَان من أكثر من ستة أشهر، وكان في ذلك الوقت، قد مضت على مرضهما مدةٌ طويلة. نحن شاكرون وممتنون للملك عبد الله، والمداخلات من القرّاء تحت خبر صحيفة ''سَبق'' كلها كالت الشكرَ والثناء للعاهل، مثل ''كفو يا بومتعب''، و''أنت لها يا بو متعب''، قلب كبير ونحن كلنا نحبك يا بومتعب''، بل إن قارئا كتب بالإنجليزية You are the one بما يعني ''ما فيه غيرك''.. وهنا تقع كل المسألة! كان موضوع ''رنا وماجد'' موضوعاً مكشوفاً أمام الشمس الساطعة في رائعة النهار، ونشرت عنهما الصحف وكتب عنهما في كل ساحة إعلامية لشهور وراء شهور، وطارت البرقيات والتقارير.. شهورٌ وراء شهور، ولا ندري لولا تدخل الملك عبد الله ماذا كان سيصير؟ مع أن الاتفاق طبياً أن مرضهما لا يمكن إلا أن يفرز أمراضاً أخرى أكثر خبثاً، فها هو- رفع الله عنه وشفاه - ماجد يُصاب بداء الفيل.. وتعرفون ما داء الفيل. إنهما لم يحصلا على علاجهما بنظام إجرائي منساب ومرن تقدم به الأوليات ''طبقاً لخطورة لمرض وليس طبقاً لأهمية ومقدار وجاهة أو شهرة الشخص'' لو كان الأمرُ حاصلاً وجاريا وواقعيا - وهو ليس اختراعاً نخترعه، بل من ألف باء الإدارة الصحية والأمثلة شاهدة وشاهقة في أمكنتها - لما شكا أحد، ولما أُرسِلتْ التقاريرُ والبرقياتُ للمسؤولين، ولما تقلب الناسُ وجعاً في مراقدهم. إن الإجراء المنطقي الصارم والعادل حين يُطبق يجعل المسؤولَ قوياً أمام الرأي العام، ويخفف من مسئولياته، ومن ارتباك جدوله اليومي بنداءات وصراخ وتوسل الناس.. أم هم يريدون هذا؟ لا، لا أظن. قلت بالأمس وأقول اليوم إن وزارة الصحة لا يمكن أن تعالج كل مريض بالبلاد - وانتقدني أعزاءٌ قائلين: بل هو واجب الدولة أمام كل مواطن - ومع ذلك قلت إن للواقع منطقاً، ولكن لا يكون هذ الواقعُ المنطقي سانداً للعمل الصحي إلا إن جاء دقيقاً واضحاً منطقياً وعادلاً بلا اضطرار أحد أن يصرخ ويستغيث، بل إن نظاماً واضحاً مثل هذا سيجد الناس من تلقاء أنفسهم أنه يمنع بطبيعته الخروج عنه بأي شكل. إن ''ماجد ورنا'' كما يقول شبابُ رحيمة لم يجدا مَن ينقلهما من دارهما برحيمة إلى مستشفى الدمام (البرج الطبي) فكانت الاستعانة بحافلة نقل اللاعبين المخصّصة لنادي رأس تنورة.. نعم كانت هي الحلٌّ الوحيد، وهذا ما كان. وهذا ليس إجراءً صحياً، بل إن الصحة نفسها تحذر من التعامل وحمل ونقل المرضى بلا معرفة وبلا وسائل مجهزة. إن هناك خللاً لا بد أن نشخصه يجعل جسدنا الصحي يحجل على قدمٍ خشبية. وأؤكد القول إن الصحة والتعليم لا يستهانُ بهما أبداً. فما هو الواقع الآن؟ إني أرفع شكري لعاهلنا ويعرف شعبُه قلبه الحاني الكبير، لذا ملأ قلوبهم، وأرجو - وهي أمنية بعيدة حالياً - أن تكون حالة الأخوَين آخر مرة نرهقه بقضايا متشتتة وفردية ومهمته عظمى ومسؤوليته حرجة، وأن تكون الحالات المرضية متراتبة حسب الأهمية التي لا يختلف عليها طبيبان متخصّصان جيدان، حيث تجري سائغة سهلة ومعروفة ومقبولة كما تجري بالجداول المياهُ صافية منسابة بلا عائق ولا سد. اللهم اشف مرضانا، ويسّر سبل علاجهم، وارعهم بعينك التي لا تنام.. آمين.
إنشرها