Author

بكاء وتهديد وحلم..

|
قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاما، ضرب الأهلي مرمى الاتحاد برباعية في نهائي كأس، أحدثت ألما في قلب الصغير قبل شباك العميد، وضع وجهه بين كفيه وبكى بحرقة، وفي اليوم التالي لم تشفع كل توسلات والديه ووعودهم بهدايا وألعاب جديدة كي يذهب إلى المدرسة، رفض رفضا قاطعا، محتجا بأنه لن يحتمل سخرية الأصحاب والزملاء بعشقه الأصفر. والدته تضحك بصوت عال وتحتضنه، كل ما تذكرت تهديده الذي لا يتواءم وعمره وهو يقول: لو ذهبت للمدرسة سأشوه وجه أحدهم اليوم. بعد أعوام عديدة انتدبته العائلة إلى أمريكا للدراسة، في العام نفسه كان معشوقه الاتحاد يلعب أمام الاتفاق في نهائي الكأس، باءت كل محاولاته في الحصول على إجازة قصيرة والعودة للبلاد لمساندة معشوقه بالفشل، بدأت المباراة، اتصل على صديق في جدة وصدمه بطلبه الغريب: ضع سماعة التلفون أمام التلفزيون، أريد أن أتابع الاتحاد العظيم، لم تسع أمريكا كلها فرحته وهو يستمع إلى المعلق يصيح: أحمد جميل يسجل الهدف الأول. في نهاية الشهر لم يشعر بأي ندم ولم يؤنبه ضميره، وهو يسدد مائتين وخمسين دولارا مقابل مكالمة واحدة، ما يعادل خمسة وعشرين في المائة من ميزانيته الشهرية البالغة ألف دولار فقط. كبر.. عاد بالشهادة الكبيرة من جامعة جورج واشنطن في إدارة الأعمال ونظم المعلومات، وكبر معه حب الاتحاد، عاش فرحة لا توصف وهو يشاهد العميد على قمة آسيا مرتين، استقبل أصدقاء الطفولة والعشق في منزله احتفالا ببلوغ العميد مونديال الأندية وسهروا حتى الصباح، ليلتها كانت قصة رباعية الأهلي وتهديده بتشويه وجه أحدهم، حكاية انتزعت ضحكات السامرين، لكن للدموع موعدا آخر كان عام 2009 والنمور يخسرون نهائي آسيا، رغم السنوات الممتدة بين الحادثتين وبعض الشعيرات البيضاء التي غزت رأسه، إلا أنه بكى بحرقة من جديد وكأنه الطفل ذاته صاحب التهديد الشهير، وليس الشاب الأربعيني. ولأن من العشق ما يقض المضجع ويعكر المزاج، ويكدر العيش، كذلك كان وكانوا، وهم يتابعون أحوال معشوقهم تتردى، ونتائجه تتراجع وهيبته تذوب. ذات قمراء جداوية، اجتمع إلى أصدقاء الطفولة سليلي العائلات الاتحادية العريقة: أحمد محتسب، أيمن الطويل، سهم حسن جمجوم، وطارق حسن لنجاوي، ورث الخمسة حب الاتحاد والتجارة فكانت الأرقام منهجا حتميا في حياتهم، قرأ صاحبهم الأرقام الصدمة: في آخر سبعة أعوام لم يحقق الاتحاد إلا ثلاث بطولات بمعدل ربع بطولة في المائة كل عام، بينما في السنوات الثماني التي سبقتها انتزع 14 بطولة بمعدل بطولتين وربع في المائة في عام. الحقيقة مؤلمة، والاعتراف أول حلول المشكلة.. الاتحاد يتهاوى. بدأ النقاش والأرقام سيدة الحوار: العميد لا يعاني فنيا لديه أبرز اللاعبين المحليين وقائمة المنتخب تشهد، الاتحاد لا يشكو قلة المال فميزانيته في السنوات السبع العجاف توازي وتتفوق أحيانا على موازنة بطل الدوري، أين الخلل؟ اتفقت آراء الخمسة وصاحبهم السادس على أن العميد لم يستقر إداريا، وأن العلة في عدم انسجام الإدارات المتعاقبة، فهي إما مكلفة كما هو عمارة وعلوان، وإما شُكلت على عجل كما عهدي المرزوقي وابن داخل، ما أفقدها التناغم المنشود. وجاءت الفكرة: تشكيل مجموعة صفراء تمثل مخزونا للكفاءات الاتحادية تمده بالقدرات الإدارية المنسجمة التي تعرفت على بعضها تحت قُبّة ما اصطلح على تسميته لاحقا "مجموعة مستقبل الاتحاد"، الاتصالات جمعت في أسبوع خمسين اسما بين الخامسة والعشرين والخمسين من العمر، وهذا شرط دستوري. لؤي قزاز شاب أربعيني تلقى تعليما عاليا سمح له بإدارة بعض الشركات الصغيرة، لم تلهه عن عشقه الأبدي، عندما شاهد معشوقه يتردى، لم يلعن الظلام، ولم يشتم الشخوص، ويختلق المبررات، اتجه إلى العلم لإعادة الاتحاد إلى جادته، وأوقد الشموع على جانبي الطريق صحبة من شاركوه العشق والعلم والحلم. كم لؤي قزاز في أنديتنا، كم لؤي تحتاجه الأندية المتعثرة لتعود بمنهجية علمية مقارنة، تطرد تجار السوق وتعلن عن تأسيس مدارس إدارية جديدة، شعارها: اعطوا الشباب فرصة، واستمتعوا بالفرجة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها