Author

لنبعدهم عن المجرمين بخدمات اجتماعية

|
تناولت الصحف ووسائل الإعلام ولا تزال خلال هذا الشهر موضوع السماح للشباب والعزاب بدخول الأسواق والمراكز التجارية ولكن بقدر الاستحسان الذي قوبل به هذا الإجراء، إلا أن موضوع معاقبة المعاكسين بالسجن من أول أو ثاني مرة هو موضوع يستحق التوقف عنده. حيث إن معظم دول العالم تقوم بتطبيق مبدأ العقاب للمخالفين والمعاكسين والمتحرشين بالآخرين وأصحاب الجنح الصغيرة أو مخالفات المرور من خلال إلزامهم بساعات عمل وخدمة اجتماعية وجمع النفايات والعمل في الحملات البيئية والتطوعية التي تعود على المجتمع بالنفع، كعقاب أو جزاء يتدرج حسب تكرار المخالفات حتى يصل إلى عقوبات أشد. ويتم ذلك على مرأى من غيرهم من الشباب ليتعظوا ويأخذوا العبرة. وذلك بدلا من زجهم في السجون وتعريضهم للاحتكاك بالمجرمين الكبار ومهربي المخدرات المحترفين وأصحاب السوابق فيصبحوا لقمة سهلة لهم لإغرائهم واستمالتهم إلى أمور لا تحمد عقباها، ويؤثرون فيهم ليخرج هؤلاء الشباب من السجن كخريج تهريب مخدرات أو مجرم محترف بسبب وضع هذا المخالف مع مجرم محترف في مكان واحد. ومبدأ أو نظام العقاب بالخدمة طريقة متبعة دوليا وتسمى "خدمة الشباب" وهدفها تنمية وتقوية الإحساس لدى الشباب والقاصرين أو الأحداث بدورهم الاجتماعي وواجبهم للمشاركة في العمل الاجتماعي لخدمة المجتمع والوطن. إضافة إلى ما تعود به من فائدة، فهي نوع من التدريب لهم والتعليم والتوعية لتحقيق أهداف اجتماعية واعدة. من جهة أخرى، فهي تحل مشكلة ازدحام السجون أو الحاجة إلى تكاليف لبناء سجون إضافية. يقوم هذا المبدأ على أساس قانون مدني لحقوق المواطنين فيما بينهم. وهو النظام الذي تحدث عنه وزير العدل الشهر الماضي، لذلك فإن معظم المجتمعات المتقدمة تلجأ إلى إيجاد ضوابط وأنظمة تحفظ حقوق المواطنين فيما بينهم وتحدد حقوق الشخص وحدود حرياته تجاه الآخرين. ومن ثم وضع الأنظمة الصارمة لمن يتعدى حدوده أو يتخطاها ليعتدي على حقوق الغير سواء الحقوق الواضحة أو غير المرئية. وقد تطور الوضع لدرجة أن تلك المجتمعات أصبحت تحاول الاستفادة من معاقبة المخالفين أو المعاكسين ومن تكون جريمتهم بسيطة مقارنة بالجرائم الكبرى، وذلك عن طريق إجبارهم على القيام ببعض أعمال الخدمة الاجتماعية لمدة أيام أو ساعات معينة تتناسب مع المخالفة التي ارتكبوها. مثل القيام بتنظيف الطرق والحدائق أو أنواع الخدمات الاجتماعية والبلدية الأخرى أو جمع الملابس والأثاث المستعمل وتوزيعه على الفقراء، المحافظة على البيئة، تنظيف أكتاف الطرق السريعة، التطوع مع خدمات الدفاع المدني، العمل في المكتبات العامة، والمساعدة على بناء إسكان الفقراء. مثل هذا الأسلوب العقابي سيكون مناسبا لبعض المخالفات الصغيرة وستكون إيجابياته أكثر من سلبياته، وهو أسلوب يجب أن نقتبس منه ما يناسبنا، بل إنه مبدأ يمكن الاستفادة منه لأمور أخرى في حياتنا مثل معاقبة الطلاب المخالفين في المدرسة فيقومون بأعمال التنظيف أمام زملائهم لعلهم يخجلون من فعلتهم ولا يعودون إليها، ويكونون مثالا يردع الآخرين. وكذلك الحال في تربية أبنائنا وتأديبهم بطريقة تربوية لا تترك لهم طريقا للتمادي، وحيث يقوم أولياء الأمور بمعاقبة أبنائهم عند اقترافهم أية أخطاء أو أفعال مشينة أو عدم تقيدهم بتعليمات الوالدين ليقوموا ببعض الأعمال المنزلية مثل التنظيف أو غسل السيارة لمدة أسبوع أو قص الأشجار وتنظيف الحدائق وغيرها من الأعمال التي تعود علينا بالنفع بدلا من معاقبتهم بإقفال الغرفة عليهم. وقد رأينا وسمعنا كثيرا عن تلك التجربة في معظم الدول. فيقف الفنان الإنجليزي المشهور بوي جورج في أحد شوارع مدينة لندن وهو يقوم بجمع النفايات لمدة خمس ساعات يوميا ولمدة أسبوع. كما تقوم أغنى وأشهر سيدة مطبخ أمريكي وهي مارثا سيوارت بساعات من الخدمة الاجتماعية بسبب تلاعبها في شراء أسهم شركتها وبطريقة لم تصرح بها. والكثير من الأغنياء وحتى أصحاب السلطة نجدهم يقومون بتلك الخدمة كعقاب على ما اقترفوه من مخالفات. وفي بعض الأحيان تطلب تلك الخدمة الاجتماعية حتى من مرتكبي الجرائم الكبرى الذين ندموا على جرائمهم وتغير سلوكهم بهدف بحث إسقاط مدة مما تبقى في محكومياتهم. ليس هذا فحسب، بل إن بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية تعتبر حصول الطالب على شهادة في الخدمة الاجتماعية من متطلبات القبول وأن الطالب يجب أن يكون قد أنهى ساعات معينة من الخدمة أثناء دراسته الثانوية. وتحدد بعض الجامعات مثل بيركلي وهارفارد وغيرهما ساعات معينة للقبول وهي عادة لا تقل عن 300 ساعة عمل أو أكثر. هو مبدأ رائع للاستفادة من هؤلاء في سد بعض الوظائف أو الأعمال التي لا يوجد من يقوم بها. ولكنها في الوقت نفسه رادع للآخرين وتعطيهم درسا واضحا جراء مشاهدتهم هؤلاء المخالفين وهم يقومون بتلك الخدمة. وبذلك يخجل هو وغيره من الوقوع في الموقف نفسه. ومن منطلق آخر فإن هذا المبدأ هو جزء من المنظومة الكبيرة للعمل الاجتماعي والتطوعي والذي نغفله أو نتهاون فيه ونتجاهله في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليه. وبذلك فإن الاستفادة من هؤلاء المعاكسين بهذه الصورة تعتبر أكثر فائدة من تعريضهم للسجن وحبسهم دون أية فائدة لهم أو لنا. بل إن معاقبتهم بالعمل الاجتماعي ستخفف من الحاجة إلى السجون أو بنائها أو توسعتها. وقد نكون نحن من أقل الدول اهتماما بوضع نظام يحكم حقوق المواطنين فيما بينهم. ويحدد الدوائر الشخصية لكل مواطن وإن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. فأنت حر أن ترفع صوت المذياع أو الموسيقى ولكن حريتك تنتهي عندما يصل إزعاجك للآخرين وتطفلك على حرياتهم. وأن تكون الأمور موضحة بالتفصيل الدقيق لكل حدث. فمثلا لو قام أحد المواطنين بإيقاف سيارته على باب منزلك ومنعك من الخروج، فما الجزاء أو العقاب له؟ وماذا لو سقطت شجرة من منزل جارك على منزلك وحطمت سيارتك أو أصابت أحد أطفالك؟ ماذا لو شتمك أحد وثبت عليه الذنب فما هي حقوقك؟ مواضيع كثيرة نحتاج إلى تصنيفها وتفصيلها لتحكم علاقاتنا الاجتماعية وللمصلحة العامة وفق ضوابط الشريعة الإسلامية. ومن ثم وضع الضوابط والجزاءات وتطبيقها بصرامة. موضوع الخدمة الاجتماعية أمر ضروري ويجب التفكير فيه وكذلك موضوع وضع الأنظمة والأسس للمجتمع الحضري والتي يجب أن نبدأ في تطبيقها وأن نعد لها دراسة تحليلية جيدة وأن تتم الاستفادة من تجارب تلك الدول وأخذ ما ينفعنا ويناسبنا منها. وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون لا أن نعيد تدوير العجلة.
إنشرها