FINANCIAL TIMES

سحب السكين الطائفية دليل على يأس الأسد

سحب السكين الطائفية دليل على يأس الأسد

إذا كان هناك حاجة إلى دليل إضافي على طبيعة النظام الذي يرأسه بشار الأسد، فالرعب والمذابح الأخيرة المستمرة في سورية يوفران هذا الدليل. فمن بين المدنيين القتلى البالغ عددهم 108 الذين سقطوا في الحولا الشهر الماضي، يوجد 49 طفلا و34 امرأة. وأكثر من نصف القتلى البالغ عددهم 78 في مذبحة الأسبوع الماضي في مزارات الكبير، بالقرب من حمص، من النساء والأطفال. وظل الأطفال هدف القناصة والجلادين التابعين للنظام منذ بدء الانتفاضة قبل 18 شهرا، لكن حدة العنف وصورته أمران جديدان، إذ يتم قصف مناطق المدنيين من قبل وحدات الجيش السوري، ثم تقوم ميليشيات غير نظامية بقتل ضحاياها بحرقهم وتقطيعهم بالأسلحة البيضاء. وتوحي مثل هذه الوحشية بأن النظام في حالة من اليأس بسبب عدم قدرته على استعادة السيطرة على الدولة والشعب الذي يرفض الخضوع في وجه الهجوم القاسي. ومع أن عشيرة الأسد لم تفقد قبضتها على السلطة، إلا أن مكانتها تتآكل باستمرار. لقد فشلت هجمات الجيش المتكررة منذ أكثر من عام في إخماد ما بدأ انتفاضة مدنية، لكنها اكتسبت جناحا مسلحا ليبدو الأمر مثل تمرد منسق. وهناك تقارير موثوقة تقول إن دولا بدأت بتحويل المال والأسلحة إلى الثوار، وإن الولايات المتحدة تلعب دورا تنسيقيا في هذا الجانب. وفي هذه الأثناء، لا تزال عائلة الأسد تعتمد على عدد محدود من الوحدات الموالية وميليشيات الشبيحة المشكلة من الطائفة العلوية التي تشكل أقلية في البلاد. وهي كافية للتسبب في عمليات سفك الدماء المرعبة، لكنها غير كافية لكي تسود. ويُظهر الجيش، المجبر على تنفيذ وتكرار هجمات على أساس تتابعي في جميع أنحاء الدولة، علامات على الإرهاق، بل حتى الإحباط. ففي نيسان (أبريل) الماضي، أظهر شريط فيديو تم تسريبه إلى قناة العربية، أحد القادة العسكريين وهو يطمئن ضباطه أن التعزيزات ستصل قريبا. ويتم تدريب قوات جديدة، داخل البلاد وخارجها. وسواء كان هذا صحيحا أم لا، ما السؤال الذي يشكل هذا جوابا عليه؟ في الشهر الماضي ارتفع عدد القتلى في صفوف الجيش إلى أعلى مستوياته منذ بدء الصراع. ويفقد النظام عشرات من الجنود في هجمات ينفذها الثوار على طريقة حرب العصابات في مختلف أرجاء البلاد. ومع تحسن تسليح الثوار الذين لا يزالون مجزأين، يصبح مزيد من الوحدات الحكومية المدرعة - بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس - عرضة لنيران الثوار، وقد فقدت بالفعل 20 دبابة وحاملة جنود مدرعة في قتال اندلع الأسبوع الماضي. ولا تتآكل شرعية عائلة الأسد بين الغالبية السنية في الدولة، ولكن أيضا بين الطائفة العلوية. ويقول أحد السياسيين اللبنانيين البارزين الذي له خبرة طويلة في سورية: ''بشار لا يكف عن إخبارهم بأنه سيفرض حلا عسكريا، لكنه غير قادر على فعل ذلك. لقد بدأ يفقد صدقيته داخل طائفته''. في الوقت نفسه، الدمج الاجتماعي بالإكراه الذي يدعم الحالة الأمنية في سورية في حالة يرثى لها. وكانت الصفقة أن يحرم النظام مواطنيه من الحرية، مقابل أن يضفي صفة التسامح على المزيج الديني المتنوع في سورية. وقدم ذلك استقرارا حقيقيا وإن كان خانقا، وتم تقاسم الكعكة الاقتصادية بما يكفي لإبقاء الطبقة الوسطى السنية في الحالة الراهنة. والآن سحبت عائلة الأسد السكين الطائفية، وأطلقت العنان للفوضى. ومع تفكك الاقتصاد والمالية العامة لم يتبق الكثير من الكعكة ليتم تقاسمها. والرعب الذي يسببه الشبيحة يؤدي إلى إضرابات من قبل التجار وأصحاب المحال الذين بقوا على الحياد. والمذابح الأخيرة ربما تعبّر أيضا عن حالة من اليأس المتطرف، إذ لا يوجد منطق عسكري وراء عمليات التطهير الطائفي في المناطق التي يسكنها خليط من العلويين والسنة في الجزء الشمالي الغربي من سورية. ومنذ بدء الانتفاضة كانت هناك علامات تنذر بأن النظام يعمل على ترتيب خطوط التراجع إلى هذه المنطقة باعتبارها مركزا يمكن الانكفاء إليه. ويساعد هذا على تفسير المحاولات المتكررة لإخضاع مدينة حمص التي تشكل مدخلا يؤدي إلى ملاذ العلويين الآمن. ولا يوحي أي من هذا بأن النظام واثق بشأن مستقبله. ما يوحيه هو أن الهدف الأكبر للمعارضة ليس هزيمة الجيش بل تقسيمه - عن طريق رفع القطب المغنطيسي للمقاومة المسلحة بحيث يكون موثوقا بما فيه الكفاية لجذب عدد أكبر من المنشقين، مع إضعاف معنويات النظام عن طريق رفع تكلفة القمع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES