Author

«أبو أحمد» والفساد

|
اعترف ويليام فيلت عام 2005 بأنه الشخصية الأسطوريةDeep Throat أو الحنجرة العميقة ـــ نسبة إلى أسلوب حديثه في الهاتف ـــ عندما كان يوصل معلومات تتعلق بقضية ووتر جيت التي استقال بسببها الرئيس الأمريكي ريتشارد نكسون. عمل فيلت مخبراً في إدارة المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI، واستقال في عام 1973، حيث وصل إلى منصب المدير المساعد في الإدارة. رفض فيلت ـــ طول هذه السنوات ــــ الاعتراف بأن له علاقة بالصحفيين اللذين اكتشفا قضية التنصت على المكالمات الهاتفية أثناء الحملة الانتخابية، التي كانت تهدف إلى مراقبة منافسي الرئيس ومعرفة خططهم ونواياهم. كان فيلت أشهر المصفرين Whistlblower وهو مسمى يطلق على أول شخص يقوم بكشف حادثة أو مخالفة معينة ويوصلها إلى وسائل الإعلام أو الجهات الأمنية. قائمة هؤلاء تطول، وكانوا مواضيع لأفلام عالجت قضاياهم وطرق تعاملهم مع الجهات الأمنية بطريقة درامية أخاذة. ظهرت بعد ذلك برامج كشف الحقائق، حققت الانتشار في كل دول العالم التي تتبنى الإعلام الحر. أوجدت برامج كشف الفساد أو نشر الفضائح (اعتمادا على موقف المتابع)، نوعاً جديداً من التحدي للجهات الخدمية والشركات المساهمة ووضعتها تحت طائلة الرقابة المستمرة من قبل وسائل الإعلام التي تبحث عن السبق دون الاهتمام بقانونية الوسائل. هذا التقدم في وسائل الكشف والتغلغل داخل دوائر صنع القرار في مختلف القطاعات الخاصة والعامة أوجد متطلبات جديدة وشروطا مختلفة للموظفين الذين يتعاملون مع أسرار الشركات. أصبح كل من يطلع على أسرار تتعلق بالعمل القائم أو الماضي أو المستقبلي ملزما بتوقيع تعهدات تضعه تحت طائلة الملاحقة القضائية في حال أفشى أياً من أسرار المنشأة. تحافظ كل الجهات على كم معين من المعلومات سواء كانت معلومات تخص مستقبلها كنتائج البحوث والإحصائيات وطرق العمل وأساليب الإنتاج، أو جزئيات لا تنتمي ـــ بالضرورة ـــ للعمل القويم أو الممارسات المهنية القانونية. يتم تداول هذه المعلومات ضمن مجموعة محدودة جداً من الأشخاص. أذكر في هذا المجال أن المسؤولة عن أرشفة المواد السرية في إحدى الشركات الأمريكية الكبرى بقيت على رأس العمل حتى بلغت الـ 90 بسبب إصرار الرؤساء التنفيذيين على بقائها كحارسة لأسرار الشركة. أحدث تطور عمليات الكشف والمراقبة نقلة كبيرة في التعامل القانوني مع مسربي المعلومات. أصبحت الجهات الإعلامية مطالبة بالتحقق من شخصية ناقل المعلومة. كثير من وسائل الإعلام بدأت تبتعد عن أسلوب زرع المخبرين أو مكافأة الموظفين الذين ينقلون المعلومات من الداخل، بسبب إمكانية وقوعهم تحت طائلة القانون. لكن التنافس المحموم على السبق الصحفي وكشف المعلومات أثار كثيرا من التنفيذيين في قطاعات الإعلام، لدرجة أصبحت عملية مطاردة الأسرار عملية تهدف للاستيلاء على أكبر قدر من المتابعة والمشاهدة والقراءة، باعتماد الإثارة. أقرب ما تابعنا في الفترة الأخيرة كانت قضية صحيفة ''أخبار العالم'' التي كانت محور قضية تنصت هاتفي أضرت بمالكها روبرت ميردوخ، وانتهت بإغلاق الصحيفة. نعود لموضوعنا السيد ''أبو أحمد''، وأبو أحمد هذا هو الذي اتصل ببرنامج ''يا هلا'' على قناة ''روتانا خليجية''. وادعى تورط وزارة النقل في مجموعة من المخالفات النظامية. استفز هذا الموظف الوزارة لتصدر بياناً تفند فيه ادعاءاته بخصوص الفساد المالي والإداري في مشاريعها. رد الوزارة كان مختصراً ويفند الادعاءات، لكنه لم يكن مقنعاً للقارئ العادي مثل محدثكم. سبب عدم اقتناعي هو أن الموظف لا يزال على رأس العمل، على الرغم من وجود ''شبهة جريمة قيمتها 19 مليون ريال كما أفادت هيئة الرقابة والتحقيق'' حسب بيان الوزارة. ذكر الرد وجود مجموعة من الموظفين المتورطين في تلك ''المخالفة الكبيرة''، ولكنهم ما يزالون يعملون ويشغلون مناصبهم نفسها. عدم قناعتي عززه دخول الوزارة مع الموظف في مهاترة يجب أن تكون أرفع منها. فما دامت الوزارة قد عرفت الموظف، فهذا يعني أن تتقدم بلائحة ادعاء عليه بحكم أنه اتهمها ''زوراً'' بمخالفات ليست صحيحة. التبرير ومحاولة إثبات صحة موقف الوزارة ليس ما يلائم مثل هذه الحالة في رأيي المتواضع. بقي أن ننظر للناحية القانونية لاستدعاء المتصل أو التعامل معه من قبل وسيلة إعلامية، أو السماح له بالظهور الإعلامي دون معرفة موقعه أو صحة معلوماته أو علاقته أصلاً بالوزارة. يجب أن تتأكد الوسيلة الإعلامية من معلومات من يظهرون ويقدمون معلومات حساسة فيها اتهام لآخرين بسبب إمكانية أن تقع الجهة الإعلامية تحت طائلة القانون كما ورد في قرار مجلس الوزراء الأخير. يلزم القرار الوسيلة الإعلامية أن تعرض المعلومة على الجهة المتهمة وأخذ ردها عليها، ويقضي العرف الإعلامي أن يعرض في نفس وقت عرض معلومات المتصل. أما إذا كان كلام الشخص عبارة عن مداخلة هاتفية (غير مرتبة)، فالعرف يقضي بمنعه من اتهام أي شخصية حقيقية أو اعتبارية غير موجودة للدفاع عن موقفها فوراً. هذا يعزز دور الإعلام كسلطة رابعة.
إنشرها