Author

أولويات الفساد

|
توسعت هيئة مكافحة الفساد في طرح مفاهيمها ورؤاها، حول ماهية الفساد الذي ستعلن الحرب عليه، وهذا حق لا ينازعها عليه أحد. لكن بعض المواطنين يخشون أن هذا التوسع يأتي على حساب الأمور الأهم. هيئة مكافحة الفساد تريد إرساء وبناء بيئة واعية بماهية الفساد. والبعض يرى أن الأولوية ليست نشر الوعي، بل الوقوف في وجه سيل الفساد الذي يظهر هنا أو هناك، ومحاسبة من يتسبب فيه. شبهة الفساد في المشاريع الكبيرة، ومحاولة رصدها، بالنسبة للإنسان أولوية، تسبق الرسائل الإنشائية المتوالية، وآخرها حول عدم الانضباط في ساعات الدوام باعتباره فسادا يجب الإبلاغ عنه. حجة هؤلاء أن هناك جهة رقابية معنية بهذا الأمر، وبالتالي يمكن للهيئة أن ترصد مدى نجاع آلية الأنظمة التي تتبعها هذه الجهة من أجل الحد من مثل هذه التجاوزات. أما أن تتفرغ لضبط الدوام، فهذا مجهود ضائع، لا يضيف لهيئة مكافحة الفساد سوى مزيد من الأعباء التي تجعل أداءها للمهام الأكبر يتأثر. الكل يدرك أن العاملين في الهيئة أعدادهم لا تزال محدودة؛ وبالتالي فإن المفروض أن يتم التركيز على هيكلة واضحة ومهام دقيقة تجعل الحصاد والنتائج تبدو أكثر جدوى. إن على هيئة مكافحة الفساد أن تدرك أن المجتمع ينظر إليها، وهو يتوقع إفصاحا عن جملة من المسائل التي يراها من حوله. هو يتفق مع الهيئة أن هناك تسيبا لدى عدد لا يستهان به من العاملين في القطاع الحكومي، وبعض هذا التسيب مرتبط بالظاهرة المحلية الخاصة بالتوصيل من وإلى المدارس في ظل عدم كفاءة النقل المدرسي. هذه قضية قد تفتح شهية هيئة مكافحة الفساد، وهي أجدى من تلقي البلاغات الكيدية والحقيقية حول مئات الآلاف من الموظفين الذين يخرجون من أعمالهم لهذا السبب. الأمر لا يحتاج لإثبات، بل علاج. حتى الحزم الإداري يصبح أمام هذا الواقع الاجتماعي غير ذي جدوى. وهو هنا لا يمكن اعتباره فسادا في الموظف، بل فساد في آليات أخرى جعلت مثل هذه الظاهرة تكتسب مشروعية يبدو الجدل بشأنها عبثيا.
إنشرها