Author

«سمة» والاشتباه

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
خلال وجودي في إحدى المحاكم - لموضوع يتعلق بالعمل - وجدت مواطنا يرفع شكوى على البنك الذي موله لشراء عقار. من المؤكد أن وصول القضية إلى المحكمة سبقه توقف المواطن عن السداد، وذلك بسبب الظلم الذي وقع عليه من البنك – كما يظن المواطن طبعا. تأملت ذلك الموقف في ظل القوة الاقتصادية والقانونية والعرفية التي منحت للبنوك، وعرفت أن هذا المواطن الضعيف دخل في جحر الأرنب ولن يخرج منه قريبا أو حتى في أي وقت يمكن اعتباره معقولا. البنوك أرقى أدوات الرأسمالية، بل هي الرأسمالية نفسها، لذلك قامت الدنيا ولم تقعد وكسرت قواعد اللعبة تماما عندما تعرضت هذه البنوك للهزة في العالم الغربي، ولم تزل دول العالم تفعل المستحيل لإنقاذ اليونان وإسبانيا، ليس من أجل عيون الشعوب، بل من أجل الحفاظ على النظام المالي (البنوك) مستقرا. لسنا استثناء من ذلك، طالما نحن نتحدث عن حرية الأسواق ونظام رأسمالي مهما غلفناه بدعاوى إسلامية واقتصاد إسلامي. اليوم نجد البنوك تلف المواطنين بأسلاك شائكة، وكأنها مصيدة هائلة، كلما حاول المواطن التملص منها زادت من قبضتها عليه. نظام سداد يسبقه سريعا نظام إيداع الراتب والتمويل العقاري ومنظومة قروض استهلاكية شهية ومرعبة، حتى صناديق التنمية أصبحت مرهونة بإدارة البنوك لدفعات القروض. وأخيرا نظام المعلومات الائتمانية الذي تحول من مجرد معلومات ائتمانية إلى نظام الاشتباه في الناس بالسلوك الائتماني المشين وقائمة سوداء في يد البنوك تخفض فيها من تشاء وترفع من تشاء. لست ضد المعلومات الائتمانية طالما هي مجرد معلومات، لكن أن تسلب حق المواطن في الحصول على قروض أو شراء منتج أو رفع حده الائتماني في شركة، فهنا نقف لنسأل: مَن يسلب الناس حقهم هكذا؟ إذا تورطت واقترضت من بنك فإنك تصبح أسيرا له، رواتبك أسيرة له، حتى في الاقتراض والتعامل مع الآخرين تعتبر أسيرا له، وإذا اختلفت معه فلن يجدي اختلافك ولا رفعك للقضايا القانونيه ولن تفك قيود أسرك منه. حتى إذا كان سجلك نظيفا تماما وطلبت نقل إيداع راتبك إلى بنك آخر فإن دون ذلك من مراجعات البنوك واستجدائها ما تنوء به العصبة أولو القوة. نظام المعلومات الائتمانية الصادر عام 1429هـ قام بحماية المواطن من الوصول إلى سجلاته الائتمانية من غير إذنه أو حتى إنشاء مثل هذه السجلات من غير إذنه وهذا يتضمن – ضمنيا - حقه في عدم تعديلها دون إذنه أو معرفته. فالمادة الخامسة نصت على أن يلتزم كل ''عضو'' (يعني البنك أو الشركة) بتبادل جميع المعلومات الائتمانية المتوافرة لديه مع الشركة المرتبط معها بعقد (يعني سمة)، كما نصت على أنه يحق للأعضاء الحصول من الشركات على نسخة من السجل الائتماني عن المستهلك، لكن بعد أخذ موافقته الخطية. المادة التاسعة نصت على أنه لا يؤسس للمستهلك سجل ائتماني لدى الشركات - للمرة الأولى- إلا بعد موافقته الخطية. والمادة الثانية عشرة تنص على أنها تعد مخالفة لأحكام هذا النظام تقديم بيانات خاطئة أو مزورة عن أحد المستهلكين. ''سمة'' في قواعد العمل ترفض أن يصل العميل إلى هذه المعلومات الخاصة به، ومن حقه دون دفع رسوم خاصة. تحصيل هذه الرسوم غير شرعي في نظري، فالشركات تمارس حقها بتعسف في وضعهم كمتعثرين حتى لو كان هناك خلاف بين الشركة والعميل بسبب قصور في أداء الشركة وأنظمتها، ومع ذلك فإن هذه المعلومات التي تهم المواطن وتمس حقوقه الإنسانية لا يمكنه الاطلاع عليها إلا بدفع رسوم. ''سمة'' تقبل أن يتم استعلام الفرد عن سجله دون رسوم، لكن بعد أن يتم رفض طلبه الائتماني، أي بعد أن تقع الفأس في الرأس ويصبح في حالة احتياج إلى القرض وتحت رحمة الشركة. لكن المتابعة الدورية للسجل هذا تمنعه ''سمة'' إلا من خلال دفع رسوم. أريد من ''سمة'' أن تقدم تبريرا عقليا وشرعيا أو من أي مصدر شاءت على فرض هذه الرسوم للاطلاع على سجلات هي حق أساسي للمواطنين، وبناء عليها سيتم منعهم من ممارستهم حقا شرعيا لهم. ومع ذلك فإن مشروع ''سمة'' أو شركة المعلومات الائتمانية مشروع جيد كمفهوم، لكن المشكلة مشكلة تطبيقات فقط، فالمفترض أن المعلومات الائتمانية ليست قائمة سوداء ويجب أن تظهر للعموم على أساس معلومات فقط، وليست حكما على قدرة الفرد على الوفاء بالتزاماته والحصول على تمويل. فالحق في الحصول على التمويل مكفول لكل مواطن وليس لـ''سمة'' ولا لأحد غيرها أن يصادر هذا الحق ابتداء. نعم يحق للممول رفع نسبة الفائدة بناء على معلومات ''سمة'' الائتمانية، لكن كما قلت مشروع ''سمة'' تحول من مشروع لتقديم معلومات ائتمانية إلى مشروع لشبهة الناس بعدم الأمانة وعدم الملاءة المالية أو أنهم مستهترون بحقوق الآخرين، وهذا خطأ كبير في منظومة ''سمة'' أو على الأقل في طريقة فهم ''سمة'' ودورها، ويجب أن تعمل ''سمة'' الكثير لتنوء بنفسها عن ذلك. فتوقف المواطن عن السداد يتضمن أمورا كثيرة قد يكون أحدها بسبب الممول ''أو الشركة عن تنفيذ ما تم التعهد به أو تقديم فواتير خاطئة أو تتضمن ظلما أو قهرا على المواطن. أخير فإن شركة سمة تراقب كل شاردة وواردة على المواطن الذي يرقب ''ساهر'' تحركات سيارته ويعد خطواتها، وأصبح من تعثر في فاتورة بـ20 ريالا كمن تعثر في شيك بمليون ريال، الفرق في رحمة التاجر.
إنشرها