Author

ممنوع اللمس

|
لا أدعي أنني زرت معظم دول العالم، ولكنني زرت عدداً منها، خاصة مناطق كثيرة في الولايات المتحدة والهند وماليزيا. وكنت كل مرة أزور فيها تلك البلدان وألاحظ ما فيها من مظاهر جميلة أو مشروعات ناجحة أو تنظيمات فاعلة ومفيدة، أتمنى أن أنقلها إلى بلدي، السعودية (بما في ذلك الأمطار!). وأول ما يلفت انتباهي ويستوقف اهتمامي عند زيارة أي من تلك الدول، الشواطئ! نعم الشواطئ الممتدة التي تعود ملكيتها ليس لفئة محدودة من الناس، بل للناس جميعاً، أي أنها ملكية عامة، وليست خاصة! لا أتحدث هنا عن شواطئ محدودة أو في مناطق معينة، بل جميع الشواطئ في تلك الدول تعود ملكيتها للدولة، بعضها رملية مناسبة للسباحة، وأخرى مناطق صخرية مخصصة لصيد الأسماك، وثالثة عبارة عن محميات طبيعية لتكاثر الأسماك والسلاحف ونحوها! وعلى الرغم من أن المملكة تتمتع بسواحل طويلة وشواطئ رملية جميلة وصخرية جذابة تمتد آلاف الكيلومترات على البحر الأحمر 1800 كيلو متر، وكذلك على الخليج العربي 700 كيلو متر، بل تحتل المرتبة الأولى من بين الدول العربية من حيث طول شواطئها ومسطحاتها المائية. نعم تتمتع المملكة بأطول شواطئ وربما أجملها! ليس هذا فحسب، بل لديها من الجزر ما ليس لدى أي دولة عربية أخرى. يتجاوز عدد الجزر التابعة للمملكة 1300 جزيرة، كثير منها يمكن أن يكون مصدر جذب للسياحة الداخلية والخارجية. وعلى الرغم من اتساع هذه الشواطئ وكثرة الجزر، لا يكاد الإنسان يجد مكاناً مناسباً يستمتع فيه بالبحر والشواطئ الرملية! لقد سُلبت الشواطئ القريبة من المدن من خلال تهاون أمانات المدن وفساد بعض المسؤولين فيها! لقد تحولت هذه الشواطئ إلى ملكيات خاصة، باستثناء أماكن ضيقة ومحدودة جداً، يتراكم فيها البشر بطريقة مزرية، وكأننا نعيش في دولة صغيرة ومحدودة المساحة، مثل البحرين أو هولندا أو الدنمارك! ولصرف النظر عن هذه الممارسات الخاطئة، اجتهدت أمانات المدن الساحلية الكبيرة في رصف ''كورنيش'' جميل أو أكثر، ولكنها تحرم الإنسان وتمنعه الوصول إلى البحر، فتصميم هذه ''الكورنيشات'' يقوم على مبدأ ''ممنوع لمس البحر''! أما في المدن الساحلية الصغيرة، فالوضع أسوأ دون الخوض في التفاصيل! سبق أن كتبت عن هذا الموضوع مراراً، ولكني أجد دافعاً للكتابة كلما شعرت بحاجتي للبحر! يحدث هذا الاستيلاء على الشواطئ الجميلة والرملية! ربما يصرخ أحد القراء سائلاً: وماذا عن القرارات، التي صدرت لحماية المناطق الساحلية، التي تمنع البناء على مسافة محددة من خط ساحل البحر؟ أليست هذه القرارات كافية لحماية الشواطئ؟! فأقول إن الأمر يتطلب إجراءات صارمة وحلولا جذرية لاستعادة الشواطئ! يأتي في مقدمتها تفعيل الأمر السامي بمنع البناء على الشواطئ، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات، فقد حان الوقت لمراجعة مبررات أمانات المدن الساحلية، التي اعتمدت عليها لتحويل معظم الشواطئ إلى ملكيات خاصة؟! ولماذا ضربت بالمصلحة العامة (أي مصلحة المواطن) عرض الحائط لتلبية المصالح الشخصية؟! وأضيف إلى الحلول العاجلة.. ضرورة تحويل الشواطئ التابعة لجهات حكومية أو جامعات إلى أماكن عامة، والعمل على استصلاح شواطئ أخرى جديدة في أماكن مناسبة وفتحها أمام الناس، هذا إذا أردنا أن يستمتع المواطن والوافد بشواطئ البحار التي تحيط بنا شرقاً وغرباً!
إنشرها