Author

عقد الامتياز التجاري السعودي في حاجة إلى تنظيم

|
تزايدت خلال الأعوام الـ 30 الماضية المشروعات التجارية التي تقام في السعودية على أساس عقد الامتياز التجاري. Franchise Contract، وقد اختلفت اتجاهات فقهاء القانون التجاري والتشريعات الوضعية حيال تعريف هذا العقد، ولكنها تكاد تكون متقاربة ومن هذه التعاريف، التعريف الذي اقترحه الدكتور ياسر سيد الحديدي في كتابه ''النظام القانوني لعقد الامتياز التجاري''، حيث قال إنه ''نظام عقدي وإداري يلتزم بموجبه أحد أطرافه ''المانح'' بمنح الطرف الآخر ''المتلقي'' الحق في ممارسة واستغلال نشاط معين في منطقة معينة، ثبت نجاحه بالتجربة، مع السماح للمتلقي باستعمال جميع مستلزمات ومقومات هذا النشاط، من اسم وعلامة تجارية أو خدمية وخطط إدارية وتسويقية ومالية وإعلانية، مع تقديم المساعدة والتدريب والإشراف في أثناء مدة العقد، نظير مقابل معين يتفق عليه''. ومن استقراء ما كتبه بعض فقهاء القانون التجاري حول الامتياز التجاري فإن أهم التزامات متلقي الامتياز تتلخص في البنود التالية: 1- قصر نشاطه على المنتجات الخاصة بمانح الامتياز دون غيرها من المنتجات المماثلة داخل دائرة جغرافية معينة. 2- يلتزم المتلقي خلال مدة الامتياز بدفع أتاوة مالية بصفة دورية للمانح كمقابل للانضمام إلى شبكة النشاط التجاري موضوع الامتياز. 3- تحقيق حد أدنى من المبيعات وفقًا لبرنامج معتمد من مانح الامتياز. 4- استثمار مبلغ يحدده مانح الامتياز للتمكين لمنتج مانح الامتياز في الأسواق. 5- التزام متلقي الامتياز ببذل كل جهد ممكن من أجل ترويج المنتجات والمحافظة على أسرار المنتج الصناعية، علاوة على وضع حسابات منتظمة لمنشآته تحت تصرف المانح. 6- الالتزام بإزالة علامة المانح أو الإشارة الدالة عليه من على كل مهمات التوزيع بمجرد انتهاء العقد. أما أهم التزامات مانح الامتياز فتتلخص في البنود التالية: 1- قصر منح حق الامتياز على متلقي الامتياز داخل الدائرة الجغرافية المتفق عليها. 2- إمداد المتلقي بالمساعدة والمعرفة الفنية الخاصة بالنشاط موضوع الامتياز التجاري. 3- التوريد المنتظم للمنتجات المتفق على تمتع متلقي الامتياز بحق تسويقها وبيعها. 4- ضمان عيوب ما يتم توريده إلى متلقي الامتياز وفقًا للعقد المبرم بين الطرفين. ومن نماذج شيكات الامتياز ''كنتاكي'' و''بيتزاهت'' و''هارديز''. وهناك أمثلة أخرى يضيق المجال هنا عن ذكرها. وأشار الدكتور الحديدي إلى أن الامتياز التجاري في نظر فقهاء القانون التجاري هو ''السماح للآخرين بتكرار النجاح الذي سبق تحقيقه''، وأن فقهاء القانون التجاري أبانوا وجود أوجه تشابه وأوجه اختلاف بين عقد الامتياز التجاري وعقد الوكالة التجارية، سواء كان عقد وكالة بالعمولة، حيث يبيع الوكيل السلع باسم الموكل ولحسابه مقابل عمولة معينة أو وكالة عقود، حيث يقوم الوكيل بالتوسط في إبرام الصفقات بين المنتجين والعملاء، وقد يقوم بإبرام الصفقة مع العميل باسمه ولحسابه أو باسم الموكل ولحسابه. فعقد الامتياز التجاري يتشابه مع عقد الوكالة التجارية من النواحي التالية: أ‌- كلا العقدين يقوم على فكرة الاعتبار الشخصي، وما يترتب على ذلك من نتائج مثل انتهاء العقد في حالة وفاة أو إفلاس أو فَقْدِ أهلية أحد العاقدين، كما أن كلا العقدين يبرمان للمصلحة المشتركة للمتعاقدين، وما يترتب على ذلك من نتائج خاصة في مجال إنهاء العقد وآثاره. ب‌- يتمتع المتلقي في عقد الامتياز التجاري والوكيل في عقد الوكالة التجارية بالاستقلال القانوني عن مانح الامتياز أو الموكل. ج- وأخيرًا يتوافر الشرط الحصري في عقد الوكالة التجارية شأنه شأن عقد الامتياز التجاري، حيث غالبًا ما يحصر التوزيع في منطقة نشاط معينة على شخص الوكيل دون غيره، ومنع الوكيل من تلقي توكيلات لغير الموكل في منطقة نشاطه، فلا يجوز للموكل أن يمنح توكيلًا لوكيل آخر داخل منطقة نشاط الوكيل الأول، كما لا يجوز للوكيل تلقي وكالة أخرى في المنطقة ذاتها. ويختلف العقدان من النواحي التالية: 1- يعد الوكيل مجرد وسيط فقط وبالتالي لا يتحمل أي أخطار مالية فيما يتصل بالعلاقة التي يدخل فيها، بينما ـــ وعلى النقيض ـــ فإن المتلقي الذي يشتري سلعًا لإعادة بيعها يتحمل جميع الأخطار التي قد تنجم عن إدارته للنشاط، إضافة إلى الأخطار المتعلقة بظروف السوق الذي يعمل به. 2- لا يتلقى الوكيل أي مساعدة ولا يخضع لرقابة وإشراف دوري ومحكم من الموكل، ولا يدفع رسمًا للدخول في العلاقة، بل إنه يحصل على عمولة على المبيعات في المنطقة المحددة له. 3- لا يتضمن عقد الوكالة بصورتيه أي نوع من نقل المعارف الفنية أو الإدارية أو التسويقية، وإن وجد فإنها لا تعدو أن تكون عنصرًا ثانويًّا ومكملًا. ونظرًا لعدم وجود تشريع ينظم عقد الامتياز التجاري في السعودية، ووجود بعض أوجه الشبه بين بعض خصائص عقد الامتياز التجاري وعقد الوكالة التجارية، فإن وزير التجارة أصدر قرارًا برقم (1012) وتاريخ 17/9/1421هـ تضمن سريان أحكام نظام الوكالات التجارية ولائحته التنفيذية على عقود الامتياز التجاري، وأن على أصحاب عقود الامتياز التجاري قيد عقودهم في سجل الوكالات التجارية. والواقع أن نظام الوكالات التجارية قد اقتصر على تنظيم مهنة الوكالات التجارية ولم ينظم عقد الوكالة التجارية، حيث ترك ذلك لإرادة طرفي العقد والقواعد العامة في العقود، الأمر الذي دعا بعض شراح القانون التجاري السعودي إلى المطالبة بتطوير هذا النظام على النحو الذي يشمل تنظيم أحكام عقود الوكالات التجارية لتوفير الحماية القانونية اللازمة للوكلاء التجاريين ضد تعسف موكليهم في إنهاء عقودهم أو عدم تجديدها دون مسوغ مشروع، بل إن وزارة التجارة سبق أن وضعت منذ أكثر من 20 عامًا مشروعًا جديدًا لنظام الوكالات التجارية أخذ بأحدث الاتجاهات القانونية في مجال تنظيم عقود الوكالات التجارية وعممته على الغرف التجارية والصناعية في المملكة لدراسته وإبداء الرأي بشأنه، إلا أن هذا المشروع لم يتم إقراره حتى الآن من جهات الاختصاص في الدولة. بل يبدو لي أنه قد أصبح نسيًا منسيًّا. ويمكن القول أيضًا إن عقد الامتياز التجاري الذي يتمتع بذاتية خاصة تميزه عن عقد الوكالة التجارية وغيره من العقود التجارية الأخرى يحتاج إلى تشريع شامل ينظمه من جميع جوانبه المختلفة وعلى نحو يحقق التوازن بين حقوق والتزامات طرفيه. وقد سرني خبر نقلته بعض الصحف المحلية بتاريخ 9/7/1433هـ الموافق 30/5/2012 مفاده بأن الدكتور عبد الله العقيل وكيل وزارة التجارة والصناعة للتجارة الداخلية صرح بأن نظامًا للامتياز التجاري في السعودية يدرس من قبل هيئة الخبراء في مجلس الوزراء تمهيدًا لإقراره، ونأمل أن يخرج هذا النظام إلى حيز الوجود في وقت قريب.
إنشرها