Author

العمالة المنزلية .. الصداع الأسري

|
بدت العمالة المنزلية مع الطفرة الأولى منتصف سبعينيات القرن الماضي بالمجاراة والتقليد، وانتهت إلى أن أصبحت احتياجاً وضرورة، وفي ظل وجودها بيننا انزلقنا إلى بناء منازلنا بمساحات وغرف وصالات وكم كبير من الأثاث، لا يمكن أن تتم السيطرة على نظافته إلا بها. وفي الوقت نفسه تخلت ربة البيت حتى عن المطبخ، وأصبح من مهام العاملات من وجبة الفطور حتى العشاء وما بينهما. على الجانب الآخر.. غاب الاهتمام بالمواصلات العامة عقوداً من الزمن جعل وجود السائقين ضرورة قصوى لا يمكن معها الذهاب إلى المدارس والأعمال من دون وجود سائق أو أكثر، فاكتظت الشوارع والأزقة الداخلية من الحارات بعديد من السيارات تركن جوار المنازل بسيارة أو أكثر للمنزل الواحد، مع ما يترتب على بقائهم معنا من مسكن ومأكل وغيرهما. وطوال العقود الماضية مرت البيوت السعودية بإشكالات عديدة في عمليات استقدامها وارتباك مواعيد قدومها وتعقيدات بين المواطنين ومكاتب الاستقدام، فضلاً عمّا ترتب على وجودها، بسبب اختلاف التقاليد والمستوى والنوع الثقافي، من سلبيات مسلكية وحوادث أمنية، إلى جانب حالات الهروب من المنازل بدافع خاص بهم لسوء فيهم حيناً ولسوء تعامل حيناً آخر من قبل البعض. وظل حديث العمالة المنزلية القاسم المشترك في مجالس الرجال والنساء بقصص مكررة يستدعي بعضها بعضاً، تحمل في طياتها طابع التأفف والشكوى وتسقط من حسابها دورنا في خلق هذه العمالة التي تنافسنا في استجلابها وأسّسنا حياتنا على أساس وجودها الدائم. اليوم، تواجه البيوت السعودية أزمة مع ندرة هذه العمالة لانتهاء عقود بعضها ولتوقف مصادر العمالة من دول كإندونيسيا والفلبين وطول فترة انتظارها من دول أخرى أو عدم الرغبة فيها، إضافة إلى التصاعد الجنوني لتكاليف استقدامها بما يبلغ أكثر من 18 ألف ريال، الأمر الذي نشأت عنه سوق سوداء للتجارة بهذه العمالة، وكرّس ظاهرة هروبها من منزل إلى آخر استغلالاً لهذا الظرف ومجاراة البعض في الخضوع لإملاءات هذه الحالة تحت ضغط الاحتياج. إن مشكلة العمالة المنزلية في بلادنا مركبة ومعقدة بين جمهور الناس والجهات الرسمية والخاصة ذات العلاقة بالاستقدام، ورأت الدولة معالجة التعقيد من خلال شركات خاصة لاستقدام العمالة تتولى كفالتها وتوظيفها بموجب عقود أسبوعية أو شهرية لأرباب الأسر، ومع أن المسؤوليات والمواصفات والشروط الخاصة بأسلوب التعامل مع هذه الشركات لم يتم توضيحها بعد من جوانب حقوقية سواء في تنقل الأسر واصطحابها للعمالة أو ما قد يحدث من حالات طوارئ كالمرض أو الوفاة أو حتى الجنح.. غير أن هذا يمكن النظر إليه على أنه سيجري عليه ما يجري على اللوائح التنظيمية لغيرها من الشركات ستتحدّد لاحقاً.. لكن سيبقى صداع الأسر مع العمالة المنزلية مستمراً وربما يتحول إلى ''شقيقة'' ـ صداع نصفي ـ بسبب ضيق نطاق الخيارات والقبول بالأمر الواقع من ناحية، وبسبب التكاليف المالية العالية من ناحية أخرى، إلى جانب أسلوب التعاطي مع عمالة لا تتوافق مع أهل المنزل وما يترتب على ذلك من إبدال واستبدال وإرباك للجو المنزلي وأفراد العائلة. نعم.. ستظل العمالة المنزلية صداعاً أسرياً استجلبنا نحن أعراضه بالتواكل عليها، كما استجلبته مؤثرات التنمية في نزوع للترف والاسترخاء، جاء ـ كما أشرنا ـ من خلال المجاراة والتقليد، كما جاء بسبب غياب التخطيط والتنفيذ لشبكات مواصلات عامة كان بإمكانها أن تحول دون تقاطر مئات الآلاف من السائقين، أسهمنا في إعفاء أنفسنا من مسؤولية مواصلاتنا بأنفسنا فإذا بهم لا يأخذون الأولاد والزوجة للمدارس والأعمال والأسواق وإنما يتولون أمر الأب نفسه.. ومثلما أن الصداع خصوصاً النصفي ''الشقيقة'' يصعب الشفاء الكامل منه.. يبدو أن علينا أن نتعايش مع هذا الصداع.. ما لم نجد علاجاً له.. لكن كيف؟!
إنشرها