Author

أرجوحةٌ بين القمرِ والنجوم

|
* أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 439 *** * حافز الجمعة: إن من يلقون كلماتِهم عبثا، مقولبة، فخمة، متيبسة، فهم يعبثون بأثمن الأشياء: الكلمات. فالأديانُ كلمة، الأفكارُ كلمة، العلومُ كلمة. ضع قطعة نقد من فئة 500 ريال بيد طفل لا يدرك، ستجده يمزقها أو يرميها.. وهكذا يفعلُ بكلماتِهِ من لا يقدّر قيمة الكلمات. *** * كان "الفايكنج" و"الفاندال" أقوامٌ من الشمال في أوروبا أيام الإمبراطورية الرومانية، متوحشين بدائيين لا يعرفون إلا القتلَ والتخريب، حتى أنّ كلمة "فاندلايزاشن" - وتعني التخريب والتدمير بالإنجليزية - إنما أصلها مشتق من "الفاندال" الجرمان الشرسين. الفايكنج وحوش سكندانافيا، والفاندال مخربو الحضارات وسافكو الدماء الأكثر وحشية في التاريخ مع منافسهم هولاكو المغولي، كانوا لا يقتلون الأطفال. كانوا يعتقدون أن روحَ كل طفل تصعد للسماء ثم تنصبُّ صاعقة برق تسحقُ من قتله في الحال. كم صاعقة ماحقة تنتظرك يا سفّاح الأطفال؟ *** * كانت واشنطن حلماً جميلاً ولم ينته.. فتوابعُهُ بذات الجمال. التقيت بأبنائنا وبناتنا من الخريجين والمبتعثين، لم تكن دقيقة واحدة فارغة. وسعدت أن بعضهم أتى للزيارة والسلام والحوار من ولاياتٍ بعيدة. لقائي العام معهم الذي نظّمته الملحقية التعليمية في واشنطن، بعد حفل التخرج المهيب، كان كما يقول "تي إس إليوت" الشاعر الأمريكي - البريطاني: "أرجوحة معلقة بين القمر والنجوم". سبقني الدكتور الرائع وليد فتيحي، وكانت محاضرته من المحاضرات التي كلماتها مقاسة بقيمتها، كل كلمة جوهرةٌ منمّقةٌ ومشعّةٌ لتلتقطها العيون بهجةً والعقولُ أفكارا. يتمتع الدكتور "فتيحي" بصفاء روحي سلوكي وفكري ووجداني مع علم غزير كطبيب ومطلع على العلوم، نثر سحرَه على القاعة حتى وكأننا ارتفعنا معلقين بالسماء. ثم لقائي المفتوح مع الخريجات والخريجين ومبتعثين ومبتعثات، وكان هو اللقاء الذي شعرت فيه بأني بأرجوحة بين النجوم والقمر. دائما أقول إن الشبيبة تبث فيَّ طاقات من الحياة والأمل، وكل مرة أفاجأ بطاقات أكثر! *** * آخر إدهاشات التصميم الكوني الأعظم: بعدد الـ "نيوزويك" للأسبوع الماضي، تصدر الغلاف عنوانٌ علميٌ مدهش بأن الكونَ.. أكوان. يعني أن هذا الكونَ الذي نعرفه، أو نعرف عنه النزر القليل، الشاسع بلا حد، والذي لم يصل العقل البشري ولا كل أجهزته اللاقطة لأي نبض في الفضاء لحدود حجمه، لا يعدو أن يكون كونا من عدّة أكوان أخرى. يعني أن نقطة الخلق (أو ما يسميه العلماءُ بالانفجار العظيم، لم يكن واحدا الذي نشأ منه كوننا، بل إن هناك انفجارات عدة توسعت مادتها الهائلة الكثافة لتتحول إلى أكوان أخرى قد تكون أكبر من كوننا، تجول في مساحة فضاء هائلة - كلمةُ هائلة لا تكفي، ولكن هي قواميسنا المحدودة! كفقاعات ماردة ومنفصلة.. فهل تتحققُ نظرية الكون الموازي، أو الأكوان الموازية؟ أي، هل هناك الآن كونٌ آخر به كوكبٌ نسخة من كوكبنا وشخص آخر نسخة مني اسمه نجيب ويطبع الآن مقالته كما أفعل أنا الآن.. لا ندري. ويبقى علمُ الله مثبتا بلا حدٍّ وبلا نهاية تدركها عقولُ البشر. فسبحان ربِّي. *** * شخصية الأسبوع: الدكتور محمد بن عبد الله العيسى ملحقنا التعليمي في واشنطن، شخصٌ عرفته من كثب وقضينا وقتا معا. دعني أقول أولا إن إدارة أكثر من 80 ألف مبتعث تكاد تكون مهمة تثقل الجبال، فكأنك تدير أمّةً صغيرة، أمة تتركز فيها أهم مقتضيات الأمم؛ الشبابُ بفورته، والعلم بأهميته، والتشابك المجتمعي الفردي والخارجي للمبتعثات والمبتعثين. مهمةٌ تكاد تكون من أشقّ المهن، ولكنها مهنة يجب أن تتم وبأفضل وجه ممكن، لأننا اخترنا أن نبعث أبناءنا وبناتِنا إلى جامعات أمريكا - والعالم - فيجب أن نتحمل نتائج متوقعة لدفعات كبيرة من الطاقات المتوثبة في مجتمعات جديدة. المهمةُ كأداءٌ بلا شك، وأتاني مبتعثون ومبتعثات يشكون همومهم، ولكني عرفت، لأن الملحقية أتاحت لي، قدرة الدكتور العيسى على استقبالهم والتحدث معهم، وهي أهم خطوة يتمنى أن يحصل عليها أي مبتعث لديه مشكلة. وجلست مع السيد العيسى جلسة الأصدقاء ووجدته يريد جادّاً تقييماً ومصارحةً ويعد أن يأخذ كلّ مشكل مجراه. كنا نسير معا في مركز تجاري فيوقفه المبتعثون والمبتعثات ويحيّونه ويبادلونه الحديث، بل الأجمل أنه قد يمر على مجموعة لم تتنبه فيقوم هو بالتحية والحديث. أمام الدكتور العيسى مهمة متحدِّية، وفي رأيي الصغير أرى أن أعدادا كبيرة من المبتعثين والمبتعثات يلزمهم عددٌ أكثر من العاملين المتابعين وفروع للملحقية أكثر في الولايات. في لندن العام الماضي استمعت لمشاكل المبتعثين، ولكن لم أستطع أن أعرف القصة الأخرى من الملحقية هناك حيث لم تُتَح لي فرصة الاجتماع معهم.. وكانت المهمة أكثر عملية وفهماً في واشنطن، فالتواصلُ معهم كان أريحياً مرناً وأخويا. *** * والمهم: نقول دوما إن مبتعثينا هم سفراؤنا الحقيقيون في الخارج. فلنرَ كيف يمكن أن يكون هذا، في مقال الغد. في أمان الله..
إنشرها