Author

هل أنت معي أم ضدي؟

|
ينادي البعض بترسيخ مفهوم ثقافة الاختلاف واحترام الآخر أيا كان وضرورة الاستماع لوجهات النظر المختلفة والمتضادة واحترامها، وإن كانت متناقضة مع ما نؤمن به أو نعتقده.. بل ينادون بتكثيف اللقاءات والاجتماعات حول طاولات الحوار سواء كانت مستديرة أو مربعة أو حتى مقعرة..! فالأهم أن تثبت لنفسك ولهم أنك شخص حضاري يؤمن بثقافة الاختلاف وضرورة احترام الرأي والرأي الآخر! ولأنك شخص طيب "وعلى نياتك" فإنك تصدق أننا فجأة انتقلنا من دول العالم الثالث وأصبحنا أكثر فهماً وعمقاً واحتراماً للحوار فتأتي بخطوات راسخة من باب "واثق الخطوة يمشي ملكا" وعصافير الثقة تزفك وطيور الأمل تزغرد وراءك ووجهات نظرك تقود حادي الأمل في داخلك بأنك ستتحدث بحرية وسينصت لك الآخرون باحترام وسيتحاورون في أجواء مثالية جميلة، فأخيراً استوعب المجتمع أن مقولة "إن لم تكن معي فأنت ضدي" قد عفا عليها الزمن وأصبحت من أثريات الماضي العتيقة! ولكن حلمك الرومانسي لا يدوم وهكذا هي الأحلام الجميلة لا تدوم، لأن تلك الطاولة أيا كان شكلها والتي جمعت الأطراف من حولها لتبادل وجهات النظر المختلفة ومناقشتها واحترام المتضاد منها من وجهة نظر كل طرف.. قد تحولت فجأة إلى حلبة ملاكمة "وفرد عضلات " وساحة محكمة تتطاير فيها الاتهامات بدل وجهات النظر، وينشغل المتحاورون بالدفاع المستميت عمّا يؤمنون به وكأنهم في حرب داحس والغبراء وليسوا في مجلس حوار، وتشعر بأنفاسك تتصاعد والعطش يستبد بك وتتخيل نفسك تركض في سباق ماراثوني في عمق الصحراء تحاول أن تلحق بسراب يروي عطشك فلا أنت الذي بلغته ولا أنت الذي وصلت إلى نهاية السباق بأمان..! وتجد نفسك فجأة متهماً يجب أن يقدم دلائل براءته إلى قاض أصدر حكمه قبل أن يستمع إليك، فتصنف حسب تيار معين رأوا أنه يناسبك وأنه يليق بوجهة نظرك التي لم يستمع أحد إليها ولكن إيحاءاتك تدل عليها، وإن كنت محظوظاً "وأمك داعية لك" في ذلك اليوم المشؤوم فإنهم لن يخرجوك من الملة ولن يحكموا عليك بالتكفير والعلمانية أو الفكر المتطرف المتشدد أو غيرها من مسميات يرى كل تيار أن شيئاً من سماتها ينطبق عليك! الحوار الراقي الحقيقي يا سادتي الكرام ما زلنا نبعد عنه أشواطاً كبيرة ويجب أن تكون خطواتنا إليه مدروسة باهتمام وألا نستعجل الوصول إليه مهما استغرق ذلك من وقت، فالأهم أن نصل إليه ونحن أعمق فكراً وأشد ثباتاً وإيماناً به، وإلى أن يحدث ذلك فستكون مقولة "إن لم تكن معي فأنت ضدي" هي السائدة في أغلب حواراتنا - مع الأسف الشديد - ونرى ذلك بشكل واضح في البرامج الحوارية على قنواتنا الفضائية إلى تلك الدرجة التي تعلو بها أصوات المتحاورين حتى لا تكاد أنت كمشاهد أن تفقه شيئاً من الحوار الدائر بينهما، وكذلك ما نلمسه بين الرئيس والمرؤوس في العمل وبين البائع والمشتري وحتى بين الأهل وأبنائهم ..!! لذلك حين يلتزم البعض الصمت فليس ذلك ضعفاً منهم أو تراجعاً، بل لأنهم ينتظرون جائزة كبرى بانتظارهم لا تخضع للقرعة ولا لاختيار الواسطة وتأمل جيداً: عن أبي أمامة ـــ رضي الله عنه ــــ أن رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ قال (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً).

اخر مقالات الكاتب

إنشرها