Author

نهضتنا الاقتصادية وعلاقتها بإصلاح نظام التعليم

|
تمثل اقتصادات الدول واقع شعوبها الاجتماعي والثقافي والتعليمي. كما تعكس الاقتصادات مدى قدرة الدول على التخطيط والتنفيذ. فاقتصادات الدول ليست إلا مرآة عاكسة لعزيمة وإصرار الدول على التقدم والنهوض والمنافسة. يتم تحديد الأهداف والاستراتيجيات، ومن ثم توضع الخطط البعيدة والقريبة المدى ومن ثم يكيف الواقع ليتأقلم مع ما تصبو إليه الدولة. وفي المحصلة يتم جني الثمار وتحقق الأهداف. وفي مرحلة تطبيق الخطط تتكامل كافة الأجهزة في الدولة، كما يتم توزيع المهام على الجهات كافة لتقوم كل جهة بما ينبغي عليها وفق صلاحياتها ووفق تخصصها ونطاق عملها. كما تتم مراجعة كافة الأعمال بشكل دوري لتصحيح ما ينبغي ولدراسة أسباب وقوع الخطأ ولضمان عدم تكراره. ورغم أهمية كل أجهزة الدولة في مختلف مراحل التخطيط والتطبيق، إلا أن الحمل الأثقل يقع على عاتق القائمين على التعليم في الدولة. فالقائمون على التعليم هم من يبذرون الانضباط وهم من يغرسون الطموح وهم من يعدون الجيل الذي بين أيديهم للقيام بمهمة النهوض باقتصاد الدولة. فاقتصادات الدول ليست مباني وطرقات وإنفاقا ومصانع فقط. بل هي فكر متقد، وانضباط في السلوك، وتفان في العمل، وجد وإخلاص واستمرارية في التعلم والقراءة، كما أنها روح خلاقة مبدعة مستنيرة تسعى للتطوير والإبداع والإتقان والإضافة وإثبات الذات. ووفق هذه الرؤية لأهمية قطاع التعليم في أي نهضة اقتصادية وحضارية، عملت المملكة منذ نشأتها على نشر التعليم المجاني لكل أبنائها وبناتها في أنحاء البلاد. كما سعت المملكة إلى تأسيس جامعات ذات طاقة استيعابية عالية في مناطق المملكة كافة، بلغ إجمالي عددها 24 جامعة - ولله الحمد. كما بلغ عدد كليات التقنية المنتشرة في البلاد 35 كلية تقنية. وبلغ عدد المعاهد التقنية العليا للبنات 14 معهدا تقنيا متخصصا لتدريب وتعليم بناتنا في مختلف مناطق المملكة. وهذه الإنجازات في قطاع التعليم تمثل العامل الأهم في الازدهار الاقتصادي والحضاري الذي نعيشه اليوم. ورغم أهمية الإنجازات التي تحققت في الفترة الوجيزة الماضية، إلا أننا ما زلنا نطمح ونتطلع إلى مزيد من التطوير سواء في أنظمة التعليم أو أساليب التدريب. فالتحديات الاجتماعية، والتطورات العلمية والاقتصادية، ومتطلبات التنمية المستدامة، تحتم علينا جميعا التحرك بسرعة لتبني أحدث الطرق العلمية والتربوية لاختزال طموحنا الاقتصادي والعلمي في نظامنا التربوي والتعليمي. وفي سبيل تحقيق طموحنا في التنمية المستدامة والوصول لمصاف الدول المتقدمة والمؤثرة سواء في الاقتصاد أو العلوم، تم تأسيس مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام. والمشروع الكبير في أهدافه وتطلعاته، الذي يعكس رؤية مليكنا لما يجب أن نكون عليه تربويا وعلميا، بُدئ في تنفيذ عدد مهم من البرامج، منها على سبيل المثال برامج تطوير المدارس، ومشروع بناء معايير الاختبارات الوطنية، ومشروع معايير اختبارات وأدوات تقويم المعلمين، ومشروع المسارات المهنية لشاغلي الوظائف التعليمية، والمركز الوطني لتطوير القيادات التربوية، ومشروع تدريب معلمي العلوم والرياضيات، ومشروع تطوير القيادات التربوية، ومشروع السعودية اكسفورد للقيادات التربوية، ومشروع المعلم الجديد، ومشروع تطوير برامج إعداد المعلم في الجامعات السعودية، ومشروع المراكز العلمية، بوابة ''تطوير'' العلمية، ومشروع إثراء المحتوى التربوي على الإنترنت، وبرامج الشراكة المجتمعية، وغيرها كثير. وإنني أدعو جميع المهتمين إلى زيارة موقع المشروع على الإنترنت لمزيد من التفاصيل، فالموقع مليء بالمعلومات القيمة. إن تأسيس مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام، يمثل نقلة نوعية وتاريخية لمسيرة التعليم في بلادنا التي بدأت على يد الموحد - المغفور له بإذن الله - الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى - كما أنها تمثل نواة لمشروع استراتيجي نصل من خلاله إلى تصدير المعرفة والعلوم - بإذن الله. إن نظام التعليم في الدول أساس نهضتها ونجاحها ونبوغها. وفي عصر يشكل فيه الاقتصاد قوة الأمم ومدى نفوذها وقوة دورها على الساحة الدولية، يلعب التعليم الدور الأهم في نشأة جيل منضبط ومؤهل وموجه توجيها يخدم مصلحة الدولة ويحقق استراتيجيتها في النهوض وإثبات الذات في مجتمع دولي شديد المنافسة. وتأسيس مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام، يأتي لتأسيس مستقبل أكثر إشراقا لأجيالنا وبلادنا. ورغم الوفرة الاقتصادية التي نعيشها اليوم، فإن إصلاح نظام التعليم ليختزل طموحنا وآمالنا الاقتصادية سيضاعف ذلك أضعافا مضاعفة.
إنشرها