Author

نظام حافز.. رمية من غير رامٍ

|
مستشار اقتصادي
يقول المثل الشعبي ما معناه إنه حتى الصياد غير الماهر ممكن أن يصيد برمية موفقة غير قابلة للتكرار، وهذا نحن مع نظام حافز، فهذا النظام الذي صيغ على أنه فكرة ''حديثة'' للتعامل مع البطالة الدورية والهيكلية، أصبح سريعاً جزءاً من منظومة اجتماعية تشمل أكثر من 1.16 مليون سعودي في تزايد مخيف، إلى حد تصريح لأحد المسؤولين بأنه ''أكرم'' نظام للعاطلين في العالم. تواردت إلى ذهني هذه الحقائق في ندوة تلفزيونية، حينما ارتفعت الأصوات للمطالبة برفع سقف السن والدفع للمعوقين مباشرة، والتنازل عمّن يسافر من الشباب إلى دبي بعد تسلم مبلغ حافز، وحتى التشكي من مطالبة النظام بتحديث البيانات بغرض البحث عن وظيفة. القفز من مساعدة العاطلين بغرض الحصول على عمل شيء، والانتهاء إلى نظام كفالة اجتماعية شيء آخر، على أكثر من صعيد اجتماعي واقتصادي. عدم وضوح الفكر مصيبة ولكن الإصرار على ارتكاب الخطأ مصيبة أكبر. لعل أكبر دليل على ذلك محاولات الوزارة التشديد والتضييق المتأخرة التي بدت كأنها ارتجالية. بما أن نظام حافز تحول إلى كفالة اجتماعية فالأحرى أن نشكر وزارة العمل ونتوسع في هذا النظام ليشمل كل المواطنين بعد تقليص المبالغ المدفوعة شهرياً، ثم إزالة الدعم عن الوقود والمنافع الأخرى قبل استفحال منظومة دعم غير مجدية اقتصادياً ومدمرة للتطور الاجتماعي، وستقود إلى فوضى مالية يخفيها مؤقتاً ارتفاع أسعار النفط. استطاع نظام حافز إيجاد القاعدة المعلوماتية والفنية بكفاءة واختبر مرونة النظام الإداري والمالي لجمع وتحويل ومتابعة هذا الكم الهائل في مدة وجيزة. وبقى أن نغيّر اسمه إلى نظام ''عادل'' بدل حافز وإشراك كل المواطنين في حصة ثابتة تبلغ 15 إلى 20 في المائة من دخل النفط توزع مباشرة إلى الكل، عدا من تثبت له ملاءة مالية واضحة. عملياً علينا تقليص المبلغ إلى 750 ريالا لكل مواطن يبلغ 18 عاماً ودفعه له مباشرة أو لمَن يعوله تحت ضوابط محددة (فمثلاً لا يزيد عدد الأطفال على 4). بات واضحاً أن النموذج المالي والاقتصادي السائد اليوم استهلاكي (الوجه الآخر للاستهلاك هو التوزيع)، ولم يعد صالحاً وبقاؤه خطر على المجتمع، فعصر اليوم هو عصر المطالبات وارتفاع سقف التوقعات عاطفياً قبل أن يكون عقلانياً، ولذلك فإن أفضل طريقة هي مراجعة عناصر اللعبة بطريقة تخدم العدالة المجتمعية من ناحية توزيعية وإدارة الموارد الاقتصادية. لا أرى أفضل من هذه المعادلة إلا إذا افترضنا قفزة فلكية في إنتاجية المواطن والأجهزة الحكومية والشركات السعودية. كل المؤشرات تدل على أن هذا لم ولن يحدث في سلم الزمن المعقول لإنقاذ الاقتصاد الوطني، بل لعل من أهم الملاحظات على الإدارة الاقتصادية في المملكة اليوم، غياب لافت للمسؤولين عن إدارة اقتصاد المملكة عن الحديث عن الإنتاجية والنمو الحقيقي. لعل الخطوة القادمة لوزارة العمل هي توظيف نظام نطاقات للمساعدة على عكس إجراءات ما قامت به هيئة الاستثمار حين ساعدت على تقليص فرص السعوديين في الأعمال والمهن الصغيرة تحت مسمى المستثمر الأجنبي قبل أن تفيق جزئياً لإيقاف النزيف. رمية وزارة العمل موفقة ولن تتكرر، ونظام حافز كعلاج للبطالة غير فاعل، بل يحمل مخاطر وأضراراً واضحة، وحان الوقت لاستخدام قاعدة البيانات لتأسيس نظام ''عادل''.
إنشرها