Author

رحلةٌ حبٍّ إلى واشنطن

|
* أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم "438" *** * حافز الجمعة: عندما تشتد أزمةٌ .. تنفرج. فلكل قفل مفتاح. *** * رحلة واشنطن: لم تأت رحلة واشنطن لي سهلة، تأزمت من بدايتها حتى فُرجت. أبلغني الدكتور الصديق خالد الدامغ من ملحقيتنا في واشنطن قبل الموعد لتخرج طالبات وطلبة الابتعاث بجامعات أمريكا بوقت قصير جدا. الملحقية أرسلت طلب الدعوات عبر القنوات الرسمية من مدة، وتبليغي جاء بـ "إنذار قصير" وفوجئ الدكتور خالد أني أقول له: ولكن ليس عندي تأشيرة لأمريكا. لم يستسلم الدكتور خالد فأرسل من يأخذ الجواز للقنصلية الأمريكية عندنا. قبل الموعد المحدد للطيران بأربع ساعات هاتفتني موظفة من القنصلية وقالت: "لن تُمنح التأشيرة إلا بمقابلة شخصية، وسنخبرك فيما بعد بوقتها..". فأرسلتُ للدكتور خالد: "الأمرُ قُضي، وأن اللهَ لم يكتب لي الرحلة". رد الدكتور خالد: "لن نستسلم حتى لو كانت النسبة أقل من 10 في المائة". الغريب، في مساء اليوم ذاته أتتني رسالة منه تقول: "جوازك بالتأشيرة في العلاقات العامة بالوزارة".. درسٌ بعدم الاستسلام علمني إياه! *** * أتخاطب مع المبتعثات والمبتعثين، ووعدت أكثر من مرة أن ألبي دعوات في بريطانيا وأمريكا وكندا وأستراليا ومصر ونيوزيلندا، الله سهّل لي زيارة أحبابي بمصر وبريطانيا.. ولن أنسى أبدا تلك الزيارتيْن، فقد جربت معنى عميقا بأطياف المشاعر النبيلة عندما يدور الدمُ سائغا في العروق حاملا مشاعر الحب. خرجت من بريطانيا ومصر وقلبي معلقٌ بوجوهٍ ناضرةٍ باسمة متأملة ومترددة وخائفة وطموحة.. وعيونهم المليئة بفورة الطموح وجمالات الحياة لم تغادر ذاكرتي، وسأزور أحبابي في أستراليا بعد رمضان إذا إذن المولى. من الدامغ تعلمت عدم النكوص والاستسلام، ومن أحبابي الطالبات والطلبة تعلمُت كيف يكون الحبٌّ مرسلا في سماواته فلا يتطلع القلبُ إلا للسماء. *** * إن قلب الإنسان شمعة.. تحترق وتتوهج بالإضاءة. تحترق عندما تجد أن المشاكل والصعاب تحيط بالجيل الشاب، وليس ما يحرق شمعة القلب المشاكل والصعاب، فاللهُ يضعها في طريقنا لسبب حيوي؛ وهو مران العقل وشحذ شعلة قدراته بالذكاءِ والتفكير والابتداع والتحايل على العقبات وتجاوزها.. الحارقُ هو عدم الجدية في وضع الحلول، لأني أؤمن بأن اللهَ وضع أقفالا في كونه ضمن تصميمه الأعظم، ولهذه المغاليق والأقفال مفاتيح بثها في كونه، وكل ما علينا هو أن نبحث عنها. وأؤمن إيمانا قاطعا بأن الله لم يخفِ هذه المفاتيح أو يموه مخابئها، بل وضع لها الدلائلَ تنكشف أمامنا بكل خطوةٍ جادة، بكل طاقةِ اجتهاد، بكل نبضةِ عزيمة، وبكل ذرّة إيمان نسير فيها على طريق البحث عن المفاتيح.. وسنجدها. الجيل هذا سيجد مفاتيحه، كما وجدها يوما ما يقارب المليون يمني ببلادنا.. كيف؟ *** * أول تعييني في مجلس الشورى - وما زلت - أتنقل بالطريق برا بين الرياض والشرقية، أحب السفر برا لأنه يعطيني الفرصة للخلو مع نفسي والتأمل وعمل ما أحب أن أعمله. كانت مقاهي الطريق من العمال الآسيويين عمالا مأجورين. بعد أربعة أشهر، وكأن الرمالَ غارت بالعمال الآسيويين، ثم أنبتت عاملين من الشباب اليمني. لن أجادل في نظامية الأمر، فالقوانين موجودة، ولكن أحكي واقعا. هناك شيء في اليمنييّن، معظمهم إن لم يكن جلهم هم من العصاميين أي أنهم أصحاب أعمالهم، أو تجده عاملا مع مالكٍ يمني.. وعرفت بالحديث الشخصي معهم أن أكثرهم أبناء عائلة واحدة أو قرية أو قبيلة يخططون "لامتلاك" عملٍ قبل وصولهم البلاد. المطاعم والورش ومحطات الضخ ودكاكين التسجيلات والبوفيهات والبقالات صارت في لحظة قصيرة مُلكا للشباب اليمني. كيف تمكنوا من بناء أعمالهم؟ لا أجد شيئا غير الإصرار كقوة بقاء زهرة جبلية تتحدى جفاف صخور الجبال. إنهم شباب بحثوا ووجدوا مفاتيحهم. وأنا أثق بأن الفتاة والفتي السعوديين من أنبه الشباب.. فقد جرّبتهم، مهما وُضِعت لهم العراقيل فسيجدون المفاتيح لحلها، ليس حلها فقط، بل إزالتها من طرق الأجيال القادمة.. لذا بقلبي ويقيني أسميهم: راصفو الطرق. *** * كنت أبحث عن جوهر الحياة فوجدته في الإيمان. وكنت أفكر فيما يجعل الإيمان ملكوتا من الراحة الروحية والسكينة المادية.. فوجدت أنه الحب. إن الله زرع في قلبي الإيمان بفتياتنا وفتياننا بأنهم قادرون، بأنهم عاملون، بأنهم هم من سيقلعون بهذه الأمة لآفاق الأمم العظيمة. هذا الإيمان تُرجم محبةً تملأ قلبي بهم ولهم. * والمهم: آنساتي سيداتي سادتي الشباب.. يا حبي لكم!
إنشرها