Author

«هيلمان» سيدات إيفريست

|
لأسباب تتعلق باهتمامي بمكافحة مرض السرطان وطرق الوقاية منه بما فيها أساليب التوعية الاجتماعية المختلفة، تابعت رحلة السيدات اللاتي تسلقن جبل إيفريست هذا الشهر قبل وأثناء وبعد الرحلة الشهيرة. قبل الرحلة، قابلت بعض المشاركات ومنهن الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان والدكتورة مشاعل الحجيلان والناشرة نورة بوظو والأخصائية منى شهاب. تراوح أعمار المشاركات في الرحلة بالتنسيق مع جمعية ''زهرة'' لسرطان الثدي بين 25 و50 عاما ولديهن صلة قرابة بضحية مرض سرطان الثدي أو ناجية منه. الهدف التوعية بمخاطر سرطان الثدي في إطار حملة ''رحلة نساء جبل إيفريست'' التي أطلقتها الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، العضو المؤسس لجمعية ''زهرة'' لسرطان الثدي وبرعاية وزارتي التعليم والصحة. كلنا يعلم أن العمل التطوعي هو أسلوب حياة وثقافة، لكن هدف السيدات هو تدريب وتعويد الأجيال على ثقافة العطاء وإعطاء الفرصة للآخرين للتمتع بالحياة، سواء على مستوى أفراد أو مستوى مؤسسات من منطلق المسؤولية الاجتماعية. الدعم ليس بالضرورة مادياً فقط، لكن أيضاً بتوفير خدمات معنوية أو تعليمية وتثقيفية. هكذا شرحت لي سيدات إيفريست هدفهن من نشر التوعية عن مرض السرطان. كما هو الحال عندما يتم الإعلان عن أي مبادرة للمرأة السعودية، تصوب السهام وتقام المتاريس وتحشد الأقلام للإطاحة بهذه المبادرات. إذا طلبت المطلقة أو المعلقة بطاقة أحوال قيل لها هناك حقوق أهم منها، وإذا أرادت قيادة السيارة قيل لها هذا أقل مطلب أهمية وأكثرها تفاهة، وإذا طالبت بإلغاء الوكيل في التعاملات التجارية قيل لها هناك أيتام وأمهات بلا مأوى أو مسكن. هؤلاء كمن لا يتذكر حقوق الأرامل والمطلقات إلا عندما تطالب المرأة بممارسة حقوقها أو التعبير عن رأيها وكأن المرأة هي السبب الأول وربما الوحيد لمشاكلنا الاجتماعية والتنموية. لهذا السبب، لم أستغرب أن يصلني شجب وندب ولطم عندما كتبت عن رحلة سيدات إيفريست دعماً لمرضى السرطان لدرجة أن البعض دعا عليهن بالهلاك عوضاً عن الدعاء لهن بالنجاح. أحد هذه الردود يقول صاحبه إن هناك أمورا أهم وأعظم لتناضل المرأة من أجلها وأهمها – من وجهة نظره - السكن للأسر المحتاجة ومصابات بالسرطان وأن السكن هو الأمان وهو الوطن وهو الصحة لأن الأكل والطعام مقدور عليهما، لكن السكن هو قمة الكرامة. طبعاً لم أكن أعلم أن المرأة مسؤولة عن حل مشكلة الإسكان، وربما أيضاً نزج بها لحل مشكلة البطالة والفقر وسوء وضع المستشفيات وتأشيرات العمالة الوافدة والفساد وسيول جدة من ضمن أمور أخرى. أما التعقيب الثاني فصاحبه ينتفض استنكاراً واستغراباً ويتساءل إذا كان لدينا (نحن المؤيدين لرحلة إيفريست) تبرير منطقي لهذا ''الهيلمان'' كما سماه. يعتقد البعض أن صعود السيدات جبل إيفريست يعطي دلالة على نخبوية العمل وأن التحدي الذي يُدَعَى في هذه الحالة، هو تحدي رفاهية لا يمت للمعاناة التي تعانيها مريضة السرطان بصلة، بل شبه هذا التحدي بتحدي اثنين من رجال الأعمال أيهما يشتري سيارة فارهة بقيمة أغلى، لذلك فلا جدوى من تحد كهذا. البعض الآخر يعتقد أنه إذا كان القصد من هذا التحدي لفت النظر للموضوع - وهو أمر غير مستساغ ومشكوك في نجاحه كما يقول - فإن الأموال التي صرفت كان أولى بها إقامة حملة في الأرض، تصل إلى كل من يحتاج إليها. التناقض الأكثر عبقرية هو اعتراض البعض على أن الربط بين صعود إيفريست وممارسة الرياضة للتوعية عن مرض سرطان الثدي، ما هو إلا لفت انتباه مغطى بغطاء إنساني. أحترم كل الآراء لكني لن أخوض في متاهات الرد والرد المعاكس. طلبت من المشاركات في الرحلة إعطائي نبذة عن تجربة مررن بها أثناء صعودهن جبل إيفريست لتبرير هذا ''الهيلمان''. تقول منى شهاب إن أكثر ما واجهها من صعوبات هو الصداع والخفقان أمام الجبال التي وقفت جريئة أمامهن. أما المتسلقة حسناء مختار فتقول إنها أصيبت خلال الرحلة، خصوصا قبل وصول الفريق النسائي لمعسكر بيس كامب إيفريست بيوم واحد، بالأعراض المرضية المصاحبة للارتفاعات بسبب نقص الأوكسجين. تعرضت السيدات لصداع فتاك ودوخة ودوار وتنفس قصير، إضافة إلى الإرهاق الشديد والتعب وألم في الركب أثناء فترات التسلق الطويلة التي لم تقل عن سبع ساعات في اليوم. ربما يا حسناء هذا ما قصده المعترضون على الرحلة لأنها ليست إلا ''نخبوية'' و''هيلمان'' لا مبرر له. وتشرح لينا المعينا المعاناة التي مرت بها مع رفيقاتها في رحلة ''الهيلمان'' فتقول إنها تعرضت للبرد القارص تحت الصفر، إضافة إلى الأثقال التي كانت تحملها على المرتفعات وأثناء المشي على الصخور الوعرة. كانت هناك فترات أحست فيها لينا بدوار شديد وضيق في التنفس لدرجة شعرت فيها بأنها قد لا تستطيع الاستمرار. فكرت لينا في أهلها وأصدقائها والنساء اللاتي من أجلهن صعدت هي وزميلاتها جبل إيفريست، فاستمرت من أجل أن يرفعن العلم عاليا بالنور المسطر بين يديه حتى وصلن الهدف. ليس لدي أدنى شك أن سيدات إيفريست جمعن قواهن وثابرن في رحلتهن الوجدانية للوصول إلى الهدف والعودة مرة أخرى كما قالت حسناء مختار. ليس لدي أدنى شك أن سيدات إيفريست لا يستطعن التعبير عن مدى سعادتهن بنجاحهن في تحقيق هدفهن النبيل. لكن الأجمل من ذلك – تقول حسناء - هو شعور المحبة والمثابرة الذي جمع أفراد الفريق على قلب واحد بغاية إيصال رسالة نبيلة عن الصمود أمام سرطان الثدي لجميع نساء المملكة العربية السعودية وهي: ''لا تستسلمي أبدا! مهما كانت رحلتك مع سرطان الثدي مؤلمة، بالعزيمة والإصرار والثقة بأن الله على كل شيء قدير .. لا يوجد مستحيل!''.
إنشرها