Author

مأساة الشعب.. الحزب ضد المواطنين (2 من 2)

|
في عام 1976 أثناء الحرب الأهلية في لبنان حينما قام الفلسطينيون وسُنة لبنان بطرد الكتائبيين وأعوانهم من الموارنة، تدخل الجيش السوري بقوة ليسحق سُنة لبنان مع الفلسطينيين وقتل خمسة آلاف من المسلمين، وبعدها بأشهر تآزر اليهود مع البعثيين والموارنة ضد الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر، ودخله الموارنة بعد دكه بالمدافع، وكانت الحصيلة ستة آلاف قتيل، كما أن دخول الجيش السوري في لبنان كان مرحباً به من إسرائيل، وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي - آنذاك - إسحق رابين: ''إسرائيل لا تجد سببا لمنع البعث السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذ سيكون بمنزلة تقديم خدمة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية، فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحقيقية بالنسبة لنا''. أما بشار الأسد الذي ولد عام 1965، ودرس الطب في جامعة دمشق، وتخصص في طب العيون في لندن، وعاد منها عام 1994 بعد وفاة شقيقه باسل الأسد في حادث سيارة، لم يكن يتمتع بنفس خلفيات والده وشقيقه باسل العسكرية والسياسية، لذلك دخل الجيش حين رجوعه عام 1994، تدرج في الجيش حتى وصل إلى رتبة عقيد، وعند وفاة والده حافظ الأسد عام 2000 متأثرا بسرطان الدم الذي عاناه لسنوات، كان عمر بشار آنذاك 34 سنة، وقام مجلس الشعب السوري (البرلمان) بتعديل الدستور بالإجماع لخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من 40 إلى 34 سنة ليتماشى مع وضع بشار، حتى يتمكن - كقيادي في الحزب - من ترشيح نفسه للمجلس، وبناء على ذلك تم انتخابه أمينا قطريا للحزب، ورئيسا للجمهورية. وبما أن سورية ظلت تحت حكم الطوارئ منذ 50 عاما، فقد تدهورت الأوضاع في عهده بشكل لافت، وتم تضييق مساحات الحريات بصورة أكبر، وأخذت البلاد تفقد جهود وأفكار الكثير من الأدمغة التي يفترض أن تسهم في عملية البناء فيما لو توسعت مساحات الحرية واستوعبت الدولة أبناءها، وفي ظل عدم الاستفادة من خبرات الكوادر الوطنية المؤهلة علميا فقد الاقتصاد السوري الكثير من ميزاته، وازدادت معدلات البطالة، وانتشر الفساد، وارتفعت الأسعار، وانخفض المستوى المعيشي، وشكلت هذه العوامل مجتمعة بداية الأزمة الحالية التي تمثلت في ثورة الشعب ضد السياسات البعثية، وهي ثورة عارمة انتظمت المدن السورية كافة. سورية اليوم - في ظل حكم الأسد - لم تعد دولة ذات وزن ومكانة في المجتمع الدولي. وافتقدت الكثير من عناصر ومقومات الدولة المسؤولة، ولم يعد لها إسهام في حفظ الأمن والسلام الدوليين، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ووصل الوضع الإنساني فيها إلى مستوى مأساوي يشهده العالم بأسره. من الأسئلة التي أود أن أسألها للرئيس بشار: إلى أي مدى كان لتركيبة حزب البعث العقائدية أثر في الوصول إلى هذا المنحنى الخطير؟ وما الدور الذي لعبه الحكم الطائفي المذهبي ليقود البلاد إلى ما وصلت إليه من تدهور؟ وفي الحقيقة أشكك في قدرته على الإجابة، لأن الرئيس بشار لم يكن مقرراً له رئاسة البلاد ولم يأت في الصورة إلا بعد وفاة أخيه باسل، فمن الواضح أن حافظ الأسد أراد باسل أن يخلفه في الرئاسة وأراد من بشار أن يدخل الطب عوضاً لفشله في دخولها. فلذلك ليس غريبا معاناة طبيب العيون من ضعف نظر في السياسة وحس أمني متواضع، فهو لا يدرك إصرار شعبه وأنه بكل هجمة عليهم يضيف الوقود على النار ويزيدهم إصرارا. ولا يدرك أنه بازدياد الضغط من الشعب السوري قد يتخلى الحزب عنه، فمنهجية الانقلاب على الذات ليست غريبة أو مستهجنة لدى حزب البعث، بل من الواضح أنها كانت سمة لصيقة منذ النشأة، فعقلية التآمر والشك وعدم الثقة بشركاء الحزب تعتبر من منتجات البعث، فلا شرف بين المجرمين والطغاة. وفي الختام أقول إن المظلوم ينصره الله ولا محالة في ذلك فهو تعالى يمهل الظالم ولا يهمله.
إنشرها