Author

.. ونحن نسير على حبال الحياة

|
.. كل منا يسير على حبل مثل لاعبي السِّيرك، وبخاطري أن أشارككم بأربع قواعد تكون كعصا التوازن التي تمكّن اللاعبين من التوازن وهم يمشون على الحبال فلا يقعون. وأقول للشباب إني مررت بها، واستقرت حياتي، ليست في سعادة مطلقة ولا رضى كامل ولكن كمَن يمشي على الحبل، قد يضطرب، قد يهتز، قد يرتاع، ولكن يمضي بسيره على الحبل دون سقوط. والقواعد الأربع هي: الأخطاء على الآخرين، الشجاعة، إصلاح الوضع، والوعي بالذات. أولاً- الأخطاء على الآخرين: تعلمت أن من هم الأشياء التي أعيد فيها تجميع نفسي وتوازني واحترامي لوجودي وشخصي هو المراجعة اليومية بتعاملي مع مَن قابلت كل يوم، أراجع مَن أخطأت عليهم بالكلام أو بالفعل أو التجهيل أو بجرح الشعور. ومع الوقت وصلت إلى مرحلة أضع فيها الأشخاص الذين سأقابلهم بالغد والمواضيع التي سأخوضها معهم وأجري حديثاً مع نفسي حتى أتجنب أن أتجنى عليهم بكلمة، أو أجرح شيئاً يحترمونه بأنفسهم أو بالحياة.. ثم أعود بيوم آخر وأقدم اعتذاري لمَن أخطأت عليهم وسيدركون أني أحاول أن أصحّح من سلوكي، وأني على وعيٍ بما أقوم به من خروج على ذلك السلوك، فيزيد من طمأنينتهم في التعامل معي مستقبلا. ثانياً- تشجيع الذات: لست من الشجعان، أو من أصحاب الإقدام، فيني صفة التردد والتراجع والتخوف. وعرفت أن هذا لن يأخذني لأي شيء.. واكتشفت مع الوقت أن الشجاعة تتسلّمها باتصال الشخصية المادية بالروح أكثر من المادية العضلية. من السهل أن يتهور الإنسان ويقدم بلا حساب، فالتهور غير المحسوب لا يمت للشجاعة، الشجاعة أن تخوض معركة تنتصر فيها؛ لا معركة تلقي نفسك فيها بلا قرار ولا إعداد. الشجاعة أن تحلق مطمئناً وأنت ضابط لأعصابك متلامس بسكينة مع روحك، مطمئن بأن تجعل النار وقوداً لك، لا أن تكون أنت وقوداً للنار. هل لدي الشجاعة كي أكون صدوقاً؟ أميناً؟ عادلاً ومنصفاً؟ هذا هو تحليق الوجود مع الروح، جناحان يرفعانك عالياً بطيران منسجم بسماء مفتوحة تحت نور شمس لا تغطيها سجف. وجدت الشجاعة أن تصلح عقبات تعترض طريقك؛ لا أن تجلس للعويل منها والتذمر ولوم من وضع العراقيل. ثالثاً- إصلاح الحال: معظمنا حاول أن يسيّر حياته كما تقتضي قوانين الكتاب لحياة ناجحة، نذهب لأحسن المدارس، نجلس للدراسة والاستذكار طيلة الوقت، نغمر أنفسنا بالوظائف والأعمال طلباً للرقي في الحياة وجمع المال وحصد النجاح.. ونحن بالطريق نشعر بحزن كوخز الإبر في القلب؛ كم ساعة حياة جميلة ضيعناها في هذا الطريق الضاج بالطموح؟ كم ساعة ضاعت منا مع والدينا، مع أولادنا، مع أصدقائنا، مع مناسبات جميلة، مع ألعاب مسلية، مع مطالعات تروح عن العقل والروح؟ ثم إلى أين نحن ذاهبون؟ أنذهب بحثاً عن السعادة ثم نكتشف أننا فوّتنا محطاتٍ متعددة للسعادة؟! ارتح يا أخي، التقط أنفاسك انظر للجمال حولك، أو اكتشفه من خلالك.. لم يمض الوقتُ بعد، صحيح لن يكون الطريق مستقيماً قصيراً، بل ملتوياً طويلاً.. ولكن استرجاع لحظات السعادة أو بعضها ممكن جداً، فمحطات السعادة كثيرة على الطريق. رابعاً- الوعي بالذات: ربما أطول وأهم رحلة سنأخذها بحياتنا هي رحلتنا إلى الداخل، داخل أنفسنا. إن لم نعرف أنفسنا بمقدرتها وقواها واحتمالاتها الحقيقية، فلن نعرف ما نستطيع أن نقدم ولا ما نأخذ من العالم حولنا. أومن أن كلاً منا فريد بتركيبه السلوكي والخلقي والعقلي، ليس مثلي أحد على الأرض، وليس مثلك أحد على الأرض، كل منا نسخة وحيدة من نوعها لا تتكرّر.. وعلى كل منا أن يعرف أين يجد فرادته، أحيانا تضيع قدراتنا الفريدة لأننا نتبع قدرات آخرين، ليست قدراتنا فنفشل وهم ينجحون. الذي يجب أن نتفق عليه هو ما يضمره الدين والأخلاق والمبادئ والأنظمة العادلة، ثم أطلق العنان لفرادتك. مَن يقع على قدراته الفردية، سيقع على مكان لم يصله أحد غيره، وهنا سيتقدم على الآخرين بهذه الصفة أو الوضع. أصلحني الله وأصلحكم.. وأمدّنا بعصا التوازن ونحن نسير على حبال الحياة.
إنشرها