Author

الأسر المنتجة وتحديات الاستدامة

|
التفكير التنموي غالبا ما ينحو نحو الاستراتيجيات والخطط طويلة المدى، وصناع القرار والمخططون التنمويون يضعون الخطط ذات الرؤية والبعد الاستراتيجي الذي يعتمد على الأفكار الكبيرة والمتطلبات الشاملة لمجتمعاتهم دون النظر في الأمور البسيطة والمتطلبات السريعة ذات المردود المباشر والسريع على احتياجات الأفراد والأسر، ويأتي على قائمة هذه الاحتياجات والمتطلبات البسيطة والسريعة ما تحتاج إليه الأسر المنتجة من تسهيلات وخدمات تساعدها على تحقيق الحد الأدنى من متطلبات أسرها. في لقاء جمع عددا من السيدات العاملات ضمن برنامج الأسر المنتجة في منطقة مكة المكرمة ذكرت إحداهن أنها عاشت تجربة أسرية تحمل كل علامات الفرح والسعادة عندما استطاعت خلال أحد برامج التسويق الأسري في شهر رمضان توفير مبلغ ثمانية آلاف ريال لأسرتها لتعيش الأسرة فرحة عيد الفطر بهذا المبلغ البسيط في نظر الأغلبية، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى هذه السيدة وأسرتها. لقد أعطت هذه القصة الصورة الكاملة لاحتياجات الأسر المنتجة ومتطلباتها التي حاول البعض اغتيالها دون قصد أو ربما بقصد، لأن السيدة، وفي سياق حديثها عن تجربتها، ذكرت أن تلك الفرحة تم اغتيالها بعد ذلك عندما وجد بعض الطامعين من منظمي مثل هذه الأسواق الأسرية الفرصة لأخذ الكثير من جهد وعرق وتعب هذه الأسر، من خلال فرض رسوم عالية مقابل السماح لهم بعرض منتجاتهم في مثل هذه الأسواق، ومع الأسف تبخرت فرحة هذه السيدة، وغيرها كثير من الأسر المنتجة في المناسبات اللاحقة بعد أن خطفت منها فرصة عرض منتجاتها في منافذ التسوق بأسعار مشجعة. إن الاهتمام بالأسر المنتجة ودعم هذا الإنتاج بمستوى وجودة منافسة لمنتجاتهم مطلب تنموي عاجل وملح ولا يتطلب عشرات السنين من الخطط والاستراتيجيات، كما أنه لا يتطلب ملايين الريالات من الاستثمار، لكن كل ما يتطلبه الأمر هو تحديد عدد من المنتجات التي يمكن رعايتها واحتضانها من قبل بعض الجهات الحكومية والغرف التجارية وبعض الشركات ضمن برنامج المسؤولية الاجتماعية، والأمر الآخر هو فتح منافذ لتسويق هذه المنتجات تعطيها، وتحت أيضا المسؤولية الاجتماعية، مواقع ضمن هذه المنافذ ومنها مثلا المراكز التجارية والمطارات وفي كل المناسبات وبرامج وأسابيع التسوق وتنظم بحيث لا تؤثر سلبا في المحال التجارية الواقعة ضمن تلك المراكز. إن الاهتمام بالأسر المنتجة أحد المنافذ الرئيسة والمهمة للانتقال بآلاف الأسر من حالة العوز والفقر إلى حالة الكفاف والغنى، والانتقال بتلك الأسر وكل أفرادها من باحثين عن فرص عمل إلى موجودي فرص عمل ومن مستلمين للزكاة إلى دافعين لها. كل هذه الأحلام الوردية يمكن تحقيقها من خلال تقديم بعض التسهيلات البسيطة والمدروسة بتنسيق مباشر بين القطاعين الحكومي والخاص دون الحاجة إلى تشكيل اللجان التي ربما تغتال الفكر وتعمق حالة الفقر والعوز في هذه الأسر، إنما لجان لتقديم الحلول العملية لتحقيق حلم هذه الأسر في حياة إنسانية كريمة تضمن لها استمرار الاستقرار والطمأنينة وتقضي على كثير من المشكلات الأسرية والاقتصادية والنفسية والأمنية التي يعيشها بعض أفرادها نتيجة قلة ذات اليد وفرص العمل. إن الأخذ بأيدي تلك الأسر المنتجة من خلال برامج استثمارية تنموية بسيطة وتطوير متطلباتهم بعيدا عن الأنظمة المظلمة أو المصالح الظالمة المجحفة في حقهم، ومعرفة أن احتواءهم ودعمهم سيحقق نقلة نوعية في ضمان فرص العمل لأعداد كبيرة جدا من المواطنين بعيدا عن التضخم الوظيفي الحكومي أو القطاع الخاص الكبير الذي ربما يعاني ما يعانيه القطاع الحكومي من تضخم وترهل، وأيضا يقلل من ضغط الأول على الثاني في إيجاد فرص عمل للمواطنين ويقلل من تضجر الثاني من الأول بسبب هذا الضغط والقلق من تحول القطاع الخاص إلى قطاع حكومي بشكل مختلف ويقلل على الاثنين معا التزامات إدارية ومالية وأدبية لا حاجة إليها. إن دعم القطاعين الحكومي والخاص برنامج الأسر المنتجة سيحقق للجميع فرصة الربح والنجاح، ويحقق للجميع بعضا من الأهداف التي تسعى حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى تحقيقها من الحياة الكريمة لإنسان هذا الوطن الغالي. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم. وقفة تأمل ''لقاء أكثر من يلقاك أوزار فلا تبال أصدوا عنك أو زاروا أخلاقهم حين تبلوهن أوعار وفعلهم منكر للمرء أو عار لهم لديك إذا جاؤوك أوطار إذا قضوها تنحوا عنك أو طاروا''
إنشرها