Author

نظام الأسد.. لم يبق إلا الدفن

|
من الواضح أن مهمة المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان تكاد تكون حالة ''افتعال'' وليست آلية حل للأزمة السورية، طالما آلة قتل سفاح سورية تدور رحاها على الأجساد والبيوت، فوتيرة الشهداء في ازدياد وكذلك الدمار، وما يكدس في السجون وما ينزح للمنافي وعلى مرأى ومسمع وبالصوت والصورة من مراقبي الأمم المتحدة الذين لم يسلموا هم أنفسهم من القصف والتفجير. الذين ينظرون إلى مهمة عنان على أنها غامضة أدركوا أنها ليست كذلك على الإطلاق، فهي مجرد شراء وقت على حساب الضحايا الأبرياء من شعب سورية الشقيق أملّتها لعبة الدبلوماسية التي تنتظر تهيئة الأجواء المناسبة لاتخاذ قرار حاسم ينهي طاحونة الرعب الدائرة في مدن وقرى سورية لقرابة عام وربع العام.. بل إن تصريحات أمين عام الأمم المتحدة بين الحين والآخر، بان كي مون، لا تخفي غلظة كلماتها وإدانتها للمجزرة الأسدية، لكنّ بان كي مون ومراقبيه أيضا عالقون بمصيدة الوقت المستقطع على حساب الموت والدمار اليومي في سورية لترتيب الدول العظمى والأوروبية أوضاعها السياسية في عملية التسلُّم والتسليم لزمام القيادة هناك أو هنالك، خصوصا الولايات المتحدة، التي يشل قرارها استحقاق انتخابي رئاسي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ومعها فرنسا التي للتو دخل الإليزيه رئيس اشتراكي جديد لم يضرب ودع قراره بعد. على الجانب الآخر.. لم يفلح المجلس الوطني السوري في صياغة نسيج متلاحم لأطراف المعارضة فيه، فبدا على مدى الفترة السابقة متذبذباً في مواقفه، مستهلكاً في عمل دبلوماسي للخارج أكثر منه التحاماً بالداخل السوري المواجه لنار البطش ساعة بساعة.. فيما كانت مواقف مجلس التعاون، ولا سيما السعودية وقطر في ثبات من أن هذا النظام الأسدي لا بد أن يرحل طوعا أو كرها، وأنه ما من سبيل لصلاحه، فلم يبق له من الشرعية سوى دفنه.. وقد أكدت الأحداث المأساوية والبهلوانيات السياسية الخبيثة لنظام الأسد، في تخريب المبادرات وإرباك الجوار اللبناني أمنيا ومسخرة الانتخابات صواب الموقف السعودي وصراحة وضوحه.. وهو موقف نعتقد جازمين أنه بات راسخاً حتى لدى أمريكا وأوروبا، ليس من خلال التصريحات التي تصب في هذا المنحى، إنما في دائرة صناعة القرار نفسها مع وقف التنفيذ بحكم الموعد الانتخابي فحسب. التحليلات السياسية والسجالات على الفضائيات محشورة في توصيف ما يحدث في الداخل السوري محاذرين في معظمهم انزلاق سورية للحرب الأهلية، والحقيقة أن الحرب الأهلية وقعت وإن كانت بنسخة جديدة يديرها النظام نفسه بسعير الفتنة الطائفية واستخدام إرهابيي القاعدة وشبيحته، كأسلوب أدمن عليه منذ عقود راح ضحيته زعماء وساسة عديدون من لبنان وكتاب وصحافيون وطالت دسائس النظام وتخريباته دولا أخرى لم يخطئ المراقبون في تحديد دور يد هذا النظام في الضلوع في تدبير جرائمها، تنفذ مآربه بالوكالة. إن نظام الأسد قد انتهى، وهو في حالة النزع الأخير غاطس في التوهم بأن الروس والصينيين والإيرانيين ضمانة ضد قذفه في مزبلة التاريخ مغالطاً حقائق التاريخ، فلم يبق نظام على قيد الحياة أمام شعب مدجج بالرفض والثورة ضده مهما كان هذا النظام غاشما في قبضته الأمنية وآلته العسكرية وأحلافه الانتهازية، وقد انهارت إمبراطورية السوفيات، وهي الدولة العظمى آنذاك حين تدفقت ملايين الشعب الروسي بصدور عارية أمام دبابات الكرملين وترسانة حلف وارسو، كذلك أطاح شعب رومانيا بتشاوسيسكو الطاغية، ولم تنجه حتى سراديبه السرية، وقبض عليه وهو يهرول مذعوراً، كما كان الحال مع صدام حسين الذي انتهى إلى حفرة قُبض عليه فيها.. وما حكاية القذافي الذي أمعن في إذلال شعبه وشتمه ووصفه بأنهم جرذان، فإذا الأقدار تجعله هو نفسه جرذاً مجارياً أمام أنظار الكون. هكذا يرحل الطغاة، دائما من ستالين وهتلر وكل من سبقت الإشارة إليهم، ولن يكون بشار الأسد استثناء إلا في الطريقة التي يقرّر بها الشعب السوري التخلص منه ومن منظمته السرية بكل أهوال جلاديها ومجنزراته وآلة قمعه. ولأن الأمر على الدوام كذلك فسيان بقيت مهمة كوفي عنان تتآكل حتى في أبسط استحقاقاتها أو اعترفت الأمم بالفشل فيما تفعله، فالواقع كشف أن هذه المهمة ليس لها من الغموض سوى أنها وقت مستقطع في انتظار ساعة يحين فيها تطبيق البند السابع من ميثاق هيئة الأمم.. وفقط .. في ذلك الجزء المتعلق باستخدام القوة ولا غير!!
إنشرها