Author

يا رب.. كفى دكتوراه!

|
قد تقول أوراقه إنه حاصل على الدكتوراه من جامعة تحظى بسمعة علمية عالية، قل هارفارد أو بيركلي أو جورج تاون أو كيمبردج أو السربون، لكنك تصاب بالحيرة والعجب العجاب وأنت تقرأ ما لا يرقى إلى كراسة الإنشاء والتعبير في الثانوية وينشره في الصحف لأنك من ناحية لا تجد فيه أسلوبا ولا محتوى معرفيا ولا رؤية ولا منهجا إلا مرتجلا من نوع: "وقالت دراسة" أو "تقول الدراسات" أو "يقول مفكرون" أو (فيما أذكر) هكذا.. رجما بالغيب دون تحديد المرجع بالاسم والمصدر والتاريخ.. أما الاستشهادات ـ إن وجدت ـ فمن ورق الروزنامة على مكتبة مثلا مع إهمال متعمد في الإشارة إلى أصحابها، ربما، للإيحاء بأنها من بنات أفكاره رغم أنها استشهادات تدل في الغالب على خلل في الذائقة! وقد يكون التخصص في الإدارة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو ما شئت من (علوم نظرية) لكنك تجد الكتابة منزوعة الدسم والطعم واللون والرائحة منها جميعها وإن تم "التشاطر" أحيانا في إقحام كلمة أو مصطلح في المجال على سبيل التعالم وذر الرماد في العيون، فإن مجرد وجودها بالاستخدام الخطأ والمكان الخطأ مربط الفضيحة! إننا حين نقارن مثلا بين كتاب من الغرب جوزف ناي أو هنري كسنجر أو نعوم تشومسكي أو ليفي شتراوس أو بول كيندي أو فرانسيس فوكو ياما أو ميشيل فوكو وغيرهم وكتاب عندنا يزعمون أنهم يحملون المؤهل العالي ذاته من الجامعات ذاتها لا بد أن يفرض السؤال الحاد نفسه علينا: هل يعقل أن هذا المستوى من الهزال والركاكة يمكن أن يصدر عن حامل شهادة عليا من تلك الجامعات المرموقة؟ وإذا افترضنا جدلا أن ذلك ممكن فلماذا يدهشنا خريجوها الغربيون بروعة إبداعهم وجمال صياغتهم ويسقمنا هذا البعض؟ بل إننا لو سلمنا بصدقية المؤهلات العالية لهذا البعض.. فكأننا نتهم عقليتنا كشعب أو أمة، بأنها ليست بجدارة عقليات الغرب وهذا حتما ليس صحيحا". ليست "الدكتوراه" نهاية العلم وإنما بدايته، فهي محض ترخيص أكاديمي يعترف بأن حاملها، مؤهل للبحث في مجال اختصاصه.. لكنها تحولت في بلادنا إلى "بريستيج" حتى أصبح عامة الناس من كثرة "خشاش الدكتوراه" ينادون كل مَن يتوسمونها فيه بـ (يا دكتور)، وقد استفز هذا التهافت على "الدال" المرحوم الدكتور غازي القصيبي، فاقترح من باب التهكم منح لقب "ماجستور" ـــ على وزن دكتور ـــ لحامل الماجستير، ورحم الله الدكتور حسن ظاظا، ــــ الحجة الموسوعي الكبير ـــ كان يأتينا في الزميلة "الرياض" بمقالته الشهيرة "الكشكول" مهملا اسمه من حرف "الدال" والشيء نفسه كان يفعله كل من الدكتور منصور الحازمي والدكتور عزت خطاب وبعض من جيلهما.. بل إن عميد الأدب العربي طه حسين يضع اسمه على كتبه مهملا منها وإذا وجدت فمن الناشر وكذلك فعل عديد من كبار كتاب العرب، أما في الغرب فمن يفعل يصبح موضع تندر. لقد اعتبر البعض "الدال" تعويذة سحرية لفرض غثاء كتابته أو بروزة نفسه في منصب أو حظوة اجتماعية .. وكم ذا يفاجأ هذا البعض بانقلاب السحر على الساحر في مواقف حرجة يندى لها جبين الحجر خجلا لأنه يتبين أنه إما قاصا لازقا وإما سارقا ماذقا. ومع ذلك يبقى أولئك "الداليون" مطمئنين إلى أن أحدا لن يكلف نفسه عناء التحري عن الحقيقة.. لذا يستمرئون المشي في الأرض مرحا.. ولسان حالهم: أبشر بطول سلامة يا مربع!!
إنشرها