Author

لماذا كل هذا التشكي والنقد؟

|
مستشار اقتصادي
يرفع أحد المثقفين تساؤلاً مشروعاً: لماذا كل هذا التشكي والتباكي على المشروع التنموي في المملكة على الرغم مما تقوم به الحكومة من مشاريع كبيرة في كل القطاعات؟ محاولة الإجابة عن هذا السؤال هي موضوع هذا العمود. يقول علماء الاجتماع السياسي إن النقد والتشكي وحتى التذمّر من السمات الرئيسة حينما تمر المجتمعات بحالات تغيُّر تحولية مهمة يدخل فيها الفرد في حالة من الانغماس الذاتي والوجداني وهذا يجعله سريعاً يلتفت إلى الحالة العامة وسرعان ما يجد عيوباً وقصوراً في كل شيء وما أسهل النقد وما أصعب البناء. ولكن - في نظري - هذا الإطار العام لا يكفي لفهم الحالة لدينا، فهناك مقومات وعوامل حالة من اللا توازن في قلب إدارة المشروع التنموي. العامل الأول الأخذ بسياق فكري في ظاهره رغبة صادقة للعدالة وفي جوهره الانكفاف عن الكفاءة. فأغلب ما نقوم به هو رغبة في التوازن والموازنة ما يتطلب حالة توفيقية ضعيفة بعيدة عن أي استحقاق ممنهج وعملي ومستدام، وبالتالي لا يمكن أن يرضى عنها مَن لديه فكر نشط محدّد. والأمثلة كثيرة من الرسوم على الأراضي إلى سياسة الطاقة إلى السياسة العمالية ممثلة بنظامَيْ حافز ونطاقات التي تحمل بعض التناقض. رمادية السعودة والخسارة في العلاقة العامة كبيرة ومؤثرة، بل إن هذه الحالة التوفيقية تمتد إلى الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. العامل الثاني: هو قبول حالة من الاستقلالية غير الحميدة في الكثير من الأجهزة الفاعلة، هذا الاستقلال في ظاهره مهنية عالية وفي باطنه تهرُّب من المكاشفة والشفافية. قرأت حديثاً أن صندوق النرويج السيادي قرّر زيادة الاستثمار في سندات العالم النامي (الجدير بالذكر أن هذا الصندوق هو الأكثر شفافية في العالم ولم تؤثر الوفرة المالية سلبياً على منظومة السياسات الاقتصادية في ذلك البلد)، بينما تتمتع مؤسسة النقد السعودي وتحت إدارة أشخاص معدودين ولأكثر من عقدين بالسياسة نفسها وكأن هاجس السيولة أهم من أي اعتبار آخر في السياسة الاستثمارية. في بُعد آخر كل دول العالم وحتى غير النفطية كإسرائيل أسست صناديق سيادية للبحث في آفاق سياسة استثمارية تكاملية مع مرحلة النمو، بينما نقاوم كل تغيير تحت مسمى سياسة التعقل والبحث الزائف عن تعظيم دور السيولة. مثال صغير آخر يتجلى في تمكن مؤسسة التقاعد من الاستثمار في "زين" و"التكاملية" دون دراسة متأنية وتنتهي دون مساءلة. العامل الثالث: هو ضعف التواصل والاستفادة من النقد مما يضيف غموضاً، خاصة أن الغموض والانكفاء يزيدان من الشائعات والأقاويل غير المفيدة لأحد، فمثلاً لم نسمع أي حديث من المجلس الاقتصادي الأعلى عن نموذج سعودي فريد للتنمية، بل إن المجلس كاد أن يصبح محكمة صغيرة لفض الخلافات بين الجهات الحكومية، إضافة إلى قدرة فائقة في الابتعاد عن الأضواء. لا أعتقد أن هناك مَن يرفض التسليم بالإنجازات والنجاحات، ولكن إدارة التنمية، وخاصة في شقها الاقتصادي، عبارة عن فك الاختناقات وتسهيل وتعظيم فرص الحلول التكاملية.
إنشرها