Author

الشعب يريد.. والتشويه!

|
تعيش الجمهورية الثانية في مصر حالة مخاض مزعجة. تكثر الاضطرابات والمظاهرات والاعتداءات والاتهامات المتبادلة بين مختلف أطياف العمل السياسي والوطني. أصبح الجميع يبحث عن الأصوات ويخوِّن المخالفين بكل الوسائل وعبر كل الوسائل وباستخدام كل الوسائل. الإعلام وسيلة والشارع وسيلة والسلاح وسيلة. كل يستخدم وسيلته لتحقيق مصلحته ويبرر لنفسه ما يفعل وينتقد على خصومه ما يفعلون. مشهود للسياسيين بالذكاء ومشهود لهم بالنكتة ومشهود لهم بالقدرة على التفاعل مع الأحداث بما تحتاج حتى لو استدعى ذلك تغيير التحالفات والتنازل عن بعض الحقوق ما دامت النهايات ستكون في الصالح. هذا الذكاء والنكتة وتغيير المواقف والمفاهيم والمعايير هي جزئيات من عملية معقدة جداً هدفها البحث عن الناخبين ومحاولة استرضاء العدد الأكبر منهم. أظهرت الأحداث التي عاشتها مصر خلال سنة من الثورة تحولات عجيبة في المواقف والرؤى. تغيرت أدبيات القوى السياسية، وتنكر أبناؤها للفكر والمنهج الذي بنيت عليه أغلبها. لعل من المفيد أن أذكر أن مواقف الأحزاب والكتل السياسية المصرية كانت أكثر وضوحاً عندما كانت مظلومة. في أوقات الضعف وتسلط النظام السابق كانت المفاهيم واضحة، يستطيع من خلالها الناخب أن يختار بطريقة يعبر بها عن قناعاته ورؤاه. عندما تولت هذه الأحزاب السلطة، وأصبح أكثر ممثليها أعضاء في مجلس الشعب ومرشحين لمناصب سياسية لا نهاية لها، عادت الطبيعة البشرية التي تبحث عن السلطة والمال لتكشف عن وجهها القبيح. أصبح الهدف هو السلطة مهما كلف الثمن. قد أتقبل هذا التوجه من سياسي يؤمن بالليبرالية أو العلمانية أو الاشتراكية. لكن أن أجد إمام المسجد الذي أصلي فيه، أو الواعظ الذي يظهر على الشاشة كل يوم، يتنكر لكل ما كان يعظني به في السابق. أجده يصافح من كان يعاديهم، ويدعم الذين طالما حذر منهم، لأكتشف أن السياسة عملية قذرة فعلاً، في شخصنة عجيبة وسباق محموم من أجل السلطة والمال. انتخب مجلس الشعب، وبدأ التحضير لكتابة الدستور، والإعداد لانتخاب الرئيس. هذا كله يتماشى مع ما طلبه الثوار وهو الانتقال السلمي للسلطة والديمقراطية الحقيقية التي يتم من خلالها تمثيل الشعب بصدق، وإنما يستمر التخوين والاتهامات الجزافية. دعمت السعودية الثورة مادياً و أدبياً، فخلال السنة الماضية دخل الاقتصاد المصري أكثر من 15 مليار جنيه من المساعدات والدعم والاستثمار السعودي. بقيت السفارة مفتوحة برغم الاعتداء الأول الذي نفذه أشخاص مغرر بهم أو مدفوعون من قبل جهات معادية لمصر. سكتت السعودية وتحملت كل ما فعله هؤلاء، وتحملت سلبية الحكومة المصرية لأنها تعلم أن البلد في حالة تغيير وأن الدولة لا تسيطر بالشكل الكامل على الأمن. بل وقد يتم اتهام الأمن بقتل المتظاهرين كما حدث في مواقع أخرى من الجمهورية. استمر الدعم المادي وآخره كان خلال الأسبوعين الماضيين عندما قررت السعودية تقديم دعم قيمته تتجاوز ملياري ريال، وحافظت المملكة على كل المزايا التي اختصت بها مصر والشعب المصري سواء من ناحية التعاقد أو من ناحية نسب العمرة والحج أو من خلال الدعم المالي والأدبي والسياسي. هذا كله يساهم في تأصيله الشعب السعودي الذي يحب مصر ويصرف ما يقارب أربعة مليارات من الريالات في نواحي الاقتصاد المصري من قبل السياح أو المقيمين في الجمهورية المصرية. إلا أن الهجوم المستمر وغير الملتزم بأخلاقيات أو اعتبارات للقيم سواء كانت اعتبارات الإسلام أو العروبة أو الاقتصاد، واستمرار تغاضي الحكومة السعودية عن الأخطاء والتجاوزات، التي تحاول تأليب الرأي العام من خلال تقمص شخصية المدافع عن المواطن المصري سواء كان على حق أو على باطل. كل من يعرف المملكة لا يمكن أن يصدق أن تلفق هذه الدولة أي اتهام لأي مواطن أو مقيم لأي سبب كان، كما أنها لا تتهاون أبداً فيما يخص قضية المخدرات. العذر الذي استخدمه البعض لتشويه صورة المملكة والحديث عن تلفيق أو تدبير تهمة لمواطن مصري بإدخال حبوب محظورة هو المضحك المبكي بحق. لكن هذا ما يتطلبه الفكر الذي يريد التأثير على الناس ومحاولة الحصول على الأصوات.. أقل ما يقال عما يفعله هؤلاء هو أنه غير أخلاقي وغير إسلامي وهو ــــ بالتأكيد ــــ ليس ما يريده الشعب المصري.
إنشرها