Author

جامعاتنا والتصدي لقضايانا الدائمة ومشاكلنا المزمنة

|
زرت المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي نظمته وزارة التعليم العالي في المدة من 25-28 جمادى الأولى 1433هـ الموافق 17 إلى 20 نيسان (أبريل) 2012 في مركز معارض الرياض وشارك فيه أكثر من 450 جامعة عالمية ومحلية إضافة إلى عدد من مؤسسات التعليم العالي العالمية والمنظمات الدولية ذات العلاقة والمعاهد العليا وهيئات الجودة والقياس والتقويم والاعتماد الأكاديمي والتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، ومراكز الأبحاث والدراسات. لن أتحدث عن هذه الفعالية وأهميتها وما حققته من نجاحات وأهداف فما قيل فيها الكثير، ولكنني سأتحدث عن بعض قضايا وهموم المجتمع السعودي وما نتوقعه من جامعاتنا أن تفعله للتصدي لهذه القضايا وهذه الهموم، خاصة أن الجامعات السعودية انتشرت جغرافيا في أنحاء بلادنا كافة، وأنها أصبحت جميعا قديمها (الإمام محمد، الملك سعود، الملك فهد، الملك عبد العزيز... إلخ) وجديدها (حائل، جازان، تبوك، الطائف، الباحة، سلمان بالخرج، الجوف... إلخ) ـــ كما رأيت من مطبوعاتها ـــ تنظر لمسألة تقديم خدمات تعليمية عالية الجودة لطلبتها أمر مفروغ منها وأن ساحة التحدي الجديدة هي مدى ارتباطها بالمجتمع المحلي الذي توجد فيه ومدى قدرتها على خدمة محيطها المحلي ببيئته الطبيعية والاجتماعية ومحاولة تقديم الأسس العلمية للتصدي لما يواجهها من مشكلات، والإسهام بشكل مباشر وغير مباشر في تنميتها الشاملة بشكل مستدام. وبما أن الأمر كذلك حيث تؤمن جامعاتنا المنتشرة في جميع أنحاء البلاد بأن نجاحها أصبح في المجتمع المعاصر يقاس بمقدار ما تقدمه للمجتمع المحلي من خدمات تنموية وبمحاولة ربط نفسها بمشكلات البيئة المحلية، وبما أن وزارة التعليم العالي تدعم هذا التوجه من خلال الإدارة العامة للبرامج التطويرية بما يسمى بـ ''مبادرات الجودة التطويرية'' ومنها ''مبادرة تعزيز إسهام الجامعة في خدمة المجتمع المحلي''، وبما أن بلادنا تعاني قضايا دائمة ومشاكل مزمنة كالمشكلة الإسكانية، ومشكلة التعليم العام منخفض الجودة، ومشكلة الطرق المهترئة، ومشكلة الحوادث القاتلة على الطرق السريعة، ومشكلة تأخر تنفيذ المشاريع بسبب سوء التخطيط والتنفيذ، ومشكلة طول إجراءات القضاء وتفاوت أحكامه في القضايا المتشابهة، ومشاكل التلوث المتزايد، ومشكلة الاستهلاك الكبير للطاقة النفطية، إذن نحن أمام ملاذ علمي ووجداني معا للتصدي لهذه القضايا والمشاكل والتعامل إيجابا معها. جامعاتنا ليست جامعات بحثية كما هو الحال في الدول المتقدمة التي ترتبط بها الصناعات، حيث يعتبر البحث أحد أهم مكونات المنتج وتكلفته وقدرته على المنافسة فنحن دولة نامية نتطلع لأن تلعب جامعاتنا دورها الرئيس كجامعات تعليمية في الدرجة الأولى، ولكن هذا لا يعفيها من دورها في خدمة المجتمع باستخدام فائض طاقة هيئاتها الأكاديمية وتوظيف طاقاتها البحثية المتاحة في المجالات الاستراتيجية لخدمة أهداف التنمية بشكل عام وتنمية المناطق الحاضنة لتلك الجامعات بشكل خاص، فالجامعات التي تتميز بالإمكانات المادية والمعنوية التي وفرتها لها الدولة ورأس المال البشري من ذوي العقول تعتبر محركات الابتكار والإبداع للتصدي للتحديات من قضايا ومشاكل وهذا هو حال الجامعات في الدول المتقدمة التي نتطلع لنحذو حذوها. ولنبدأ بالمشكلة الإسكانية التي تتجاوز من وجهة نظري مشكلة انخفاض نسب الملكية إلى مشكلة رداءة الأحياء السكنية التي أقرب ما تكون لمستودعات بشرية تنتشر في ورش عمل دائمة تفتقد لأبسط مكونات الأحياء المعززة للحياة والتواصل الاجتماعي والمحافظة على البيئة من التلوث بجميع أنواعه بما في ذلك التلوث السمعي والبصري والمعززة للحركة والصحة والأمن وانسيابية الحركة المرورية، فهل نتوقع أن تشارك الجامعات كل من موقعها في التصدي لهذه المشاكل؟ للأمانة لم أسمع أن وزارة الإسكان بادرت بالتوجه لجامعاتنا كما لم أسمع أن إحدى الجامعات بادرت للتعاون مع وزارة الإسكان. ولنثنِ بمشكلة التعليم العام متدني الجودة والذي وصفه الأمير سعود بن عبد المحسن أمير منطقة حائل بالمخيب للآمال، حيث تنفق الدول ربع ميزانيتها على التعليم ويكون لدينا 3 في المائة فقط من الطلاب السعوديين يعادل أداؤهم المتوسط المعياري العالمي في الرياضيات وأن الطلبة الذين يحصلون على نسبة 90 في المائة في اختبارات القياس يقلون في مجموعهم عن 2 في المائة من المجموع العام حسب المنحى الاعتدالي، وأن 80 في المائة من هذه النسبة المتدنية أصلاً من الطلبة غير السعوديين، وبما أن تطوير المناهج أصبح ميدان صراع عقيم بين مدارس فكرية متعددة لا علاقة له بالتربية ولا بالتعليم، فإننا نتطلع أن تلعب جامعاتنا دورا كبيرا بالمشاركة في مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق التعليم ونتطلع أن يوجه وزير التربية والتعليم لها الدعوة لتلعب هذا الدور بشكل علمي يعتمد في تقويمه على الأداء النوعي بالدرجة الأولى. المشاكل كثيرة ولكني سأختم بمشكلة سوء التخطيط والتنظيم وتوجيه الجهود نحو الإنجاز المعياري من جهة الجودة والوقت والتكلفة وهو مجال يمكن أن تساهم جامعتنا بشكل كبير في معالجته من خلال تنظيم برنامج مشابه لمبادرة ''القيادة النوعية وإدارة مؤسسات التعليم العالي'' الذي تنفذه الإدارة العامة للبرامج التطويرية بالوزارة والذي يهدف لتطوير المهارات القيادية لمديري الجامعات حيث يمكن أن يكون هناك برنامج مواز لتطوير المهارات القيادية للمسؤولين في الوزارات والأجهزة الحكومية لكونها حجر الزاوية في معالجة التأخير في المشاريع وارتفاع تكاليفها ورداءتها. ختاما: كلي أمل ورجاء أن ينعكس الانتشار الجغرافي الكبير للجامعات الحكومية قوية الإمكانات واتجاهاتها المتنامية نحو خدمة المجتمع وتعزيز التنمية المستدامة والشاملة والمتوازنة إيجابا على القضايا الدائمة والمشاكل المزمنة، وأعتقد جازما أن ذلك سيكون ـــ بإذن الله ـــ خصوصا أن الكثير من الإسهامات بدأت تظهر في هذا الاتجاه المحمود.
إنشرها