منوعات

توريث البسطات النسائية.. حنين لذكريات الأمهات والجدّات

توريث البسطات النسائية.. حنين لذكريات الأمهات والجدّات

في السابعة صباحاً من يوم الخميس تحمل "غزيل"، شابة تخرجت في الثانوية العامة قبل أعوام عدة، قهوتها للتوجّه إلى مبسطها في إحدى الأسواق الشعبية، شرق مدينة الرياض، لتبيع ملابس نسائية ومأكولات شعبية. وعلى الرغم من أن مكسبها اليومي متوسطٌ إلا أنها ترى في عملها أهمية؛ لأنه امتدادٌ لعمل جدتها ووالدتها في المبسط ذاته لنحو 15 عاماً. لا تجد «غزيل» في بعض أيام السنة مكسباً من المبسط، وتضطر إلى تسويق بضاعتها عبر مَن تزورهن في المنازل، لكنها تستمتع بقضاء وقتها في المبسط الذي تعوّدت أن ترى جدتها فيه طوال أعوام ماضية قبل أن يطرحها المرض، فهي تعيد ذكرياتها القديمة عندما كانت تقضي نهار الخميس في المبسط؛ وحينها كانت تدرس في المتوسطة. اعتاد النساء قبل أعوام عدة أن "يبسطن" أمام الأسواق، خصوصاً الشعبية، وحينها كان الأطفال يأتون مع أمهاتهم أو جداتهم والبقاء معهن طوال نهار الخميس، وبعدما تقدم العمر بهؤلاء النسوة جاء من بعدهن مَن يريد أن يبقى على الحال ذاته؛ ليمارس البيع والشراء في المبسط، ليس بهدف الكسب وحسب، إنما لاستمرار النشاط وعدم انقطاعه تكريماً لأقربائهن اللاتي ظللن سنوات عدة يعملن في النشاط ذاته، فضلاً عن إشغال وقتهن بالعمل. ترى إحدى البائعات (فضّلت عدم ذكر اسمها)، أن استمرار العمل وعدم انقطاعه لمرض صاحبه أو موته، فإنه شيءٌ جميلٌ، ينم عن تقديرٍ واحترامٍ، فبعض النساء كن يتحدثن عن مصير بسطاتهن على الرغم من أنها لا تدر ربحاً عالياً؛ لكنها كانت تلبي احتياجاتهن الأساسية. وتعتقد أن الأطفال الذين اعتادوا المجيء إلى البسطات وهم صغار، هم أكثر مَن أعادها وأحياها بعدما تُوفي أصحابها أو أعاقهم المرض عن الاستمرار فيها، فطبيعة هذه البسطات كانت لطيفة وتفاصيلها كانت بسيطة ومعظم النساء يجتمعن كأنهن في مجلس يتناقلن الأخبار ويستمعن إلى التطورات فلم تكن فقط للبيع. الجدير بالذكر أن متوسط الدخل لهذه البسطات كان مرتفعاً قديماً، ولذلك كان معظم النساء يعملن فيه، لكن حالياً ربما لا يلبي إلا الاحتياجات الأساسية؛ نظراً لتغيُّر اهتمامات الناس. وتقول: "أصبحنا نبيع مأكولات شعبية إلى جانب بعض الملابس، لكننا ألف بعضنا بعضا واعتدنا أن نلتقي كل أسبوع في المكان ذاته". الحنين للماضي، أعاد إحدى النساء إلى مبسط جدتها التي تُوفيت قبل عام، تقول نورة العتيبي لـ "الاقتصادية": "اعتدت قديماً أن آتي إلى هذا المكان مع جدتي وأقضي تفاصيل ساعات جميلة، اعتدت يوماً بعد يوم، وكنت أحظى ببعض الريالات". وتضيف: "اليوم وبعد عام من وفاة جدتي رأيت أن أعود إلى المكان ذاته وأمارس البيع، فقد كانت جدتي تتمنى من النساء أن يعملن حتى لو على المباسط، المهم أن يعملن ويساعدن على تلبية احتياجات المعيشة اليومية". بدوره، يقول الباحث الاجتماعي أحمد الشهري، إن من طبيعة النفس البشرية الحنين للذكريات الجميلة.. والدافع الكبير الذي جعل بعض النساء يواصلن العمل في نشاط أمهاتهن أو جداتهن، هو محاولة استعادة ذكريات الماضي على الرغم من أن بعضهن قد لا يجد مكسباً. ورأى أن هذا النشاط إيجابي إذا كان وفق الأنظمة؛ لأنه عملٌ في المقام الأول وفائدة ومكسبٌ ربما يتيسر ويزيد مع الأيام، داعياً النساء اللاتي قرّرن أن يواصلن العمل على المباسط أن يتعلمن صُنع الملابس والمأكولات وبيعها؛ نظراً لأن المجتمع ما زال مُحباً لإنتاج السعوديات، إلى جانب تطوير أنفسهن في مجال البيع والتسويق والانتقال من الهواية إلى الحرفية حيث سيعود ذلك عليهن بالفائدة مع مرور الأعوام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات