Author

رأس المال الإسلامي .. والمنافسة بين الشرق والغرب

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
رأس المال الإسلامي أصبح يتنامى بشكل مستمر في ظل أزمة مالية خانقة تعانيها كبريات القوى الاقتصادية العالمية، هذا النمو أصبح يكسب في كل عام ثقة أكبر من قبل المستثمرين والخبراء، ورأس المال الإسلامي وهو في ريعان شبابه أصبح ينمو بصورة متسارعة، ليس فقط بصورة رأسية على أساس حجم النمو في الأصول، بل حتى على المستوى الأفقي من حيث التوسع في مجالات الاستثمار في مجال التمويل الإسلامي، خصوصا على مستوى الصناديق الاستثمارية والصكوك. وغيرها من المالية التي أصبحت تدفق عليها السيولة بشكل كبير خلال الفترة الماضية. في لقاء تم مع بيير سيمون رئيس هيئة تنمية الاستثمارات الأجنبية في باريس وضواحيها، لصحيفة ''الشرق الأوسط'' بتاريخ 4 جمادى الأولى 1433هـ، أوضح رغبة الحكومة الفرنسية في وجود مشاركة من الرساميل السعودية في أكبر مشروع من نوعه في العالم ببناء 70 ألف وحدة سكنية سنويا برأسمال يقدر بـ 93 مليار يورو، وهذا يعتبر من المشاريع الضخمة، إن لم يكن الأضخم من نوعه، حيث سينتهي في عام 2025، وفي اللقاء نفسه وفي موضوع يتعلق بالتمويل الإسلامي ذكر سيمون أن جزءا كبيرا من المشروع تمويل عقاري، لذلك من السهل أن يتناسب مع الشريعة الإسلامية من دون أي مشكلات، وكما هو معلوم أن الحكومة الفرنسية من منطلق رغبتها في استقطاب التمويل الإسلامي تم إنشاء لجنة للتمويل الإسلامي عام 2008، لدراسة المعوقات القانونية والضريبية، خصوصا في مجالات مثل تمويل المساكن أو ما يسمى الرهن العقاري، حيث إن الآلية التي تمارسها البنوك الإسلامية تتطلب دفع الضريبة مرتين من خلال تملك السلعة ثم بيعها مرة أخرى، وهذا قد يجري أيضا في المعاملات الأخرى نظرا لاعتماد التمويل الإسلامي على السلع، واقترحت اللجنة مجموعة من الحلول والتوصيات في هذا الشأن. كما نعلم أن فرنسا دولة ذات طابع علماني بصورة لا ترغب فيها أن تكون الشعائر الدينية ظاهرة بشكل عام، وهذا ما حصل في موقفها مع الحجاب والنقاب الذي أثار جدلا في الشارع الفرنسي، خصوصا لدى الجالية المسلمة، التي تمثل نسبة لا بأس بها في فرنسا. على النقيض نجد فرنسا تسعى إلى تهيئة البيئة التنظيمية والمالية لاستقطاب التمويل الإسلامي، وهذا مؤشر يعكس أهمية هذا القطاع ومستوى الفرص التي يمكن أن يحققها، ومدى تأثيره الاقتصادي. ولو لاحظنا في تاريخ تشكيل اللجنة الخاصة بالتمويل الإسلامي لوجدنا أنها شكلت متزامنة مع الأزمة المالية العالمية في رد فعل عاجل لإيجاد فرص لتحفيز الاقتصاد الفرنسي. أما فيما يتعلق بدول العالم الأخرى، والاقتصادات الكبرى في العالم سواء الغربية أو في آسيا فهي تعمل فعليا لتهيئة البيئة الاستثمارية لديها لتتناسب مع منظومة التمويل الإسلامي. فالرهان اليوم لاستقطاب رأس المال الإسلامي ينبغي أن يبدأ من تهيئة البيئة التنظيمية والتشريعية لهذا القطاع، إذ إن التمويل الإسلامي اليوم توسع وأصبحت أدواته متنوعة ويعتمد بعضها على بعض، فبقدر ما تكون البيئة التنظيمية والتشريعية متناسبة معه سنجد أن السيولة ستلحق بهذه البيئة، خصوصا أننا نعلم أن العالم أصبح اليوم قرية واحدة، فالشركات الكبرى أصبحت اليوم تحصل على التمويل وتصدر الصكوك في غير مقارها الرئيسة، والمؤسسات المالية الإسلامية ستفضل دائما العمل في البيئة الأفضل لها التي تحقق لها التنوع في فرص طرح منتجاتها. ولذلك من المهم للمنافسة على التمويل الإسلامي الحرص على البيئة التنظيمية. والبيئة التنظيمية للتمويل الإسلامي لا تقتصر على البنوك الإسلامية فقط، بل إن التمويل الإسلامي يشمل القطاعات الاستثمارية والصكوك والسوق المالية الإسلامية والتأمين الإسلامي، وهذه القطاعات تتكامل، فبقدر ما توجد بيئة تشريعية تحتوي هذه القطاعات ستكون تنافسية استقطاب رأس المال الإسلامي أكبر. الخلاصة أن التمويل الإسلامي يتنامى اليوم بشكل كبير على المستويين الرأسي والأفقي من جهة تنوع صور التمويل والاستثمار، ونظرا للنجاحات والفرص المتوقعة لرأس المال الإسلامي أصبح كثير من الدول تعمل لتعديل البيئة التنظيمية والتشريعية لاستقطاب التمويل الإسلامي، وهذا يمثل فرصة ينبغي أن تقتنصها دول الخليج.
إنشرها