Author

هل نفضت أوروبا غبار الأزمة؟

|
أكبر خطر يواجه أي حكومة أو تكتل اقتصادي هو افتقاد الثقة بالسياسات التي يتبناها، والوعود التي يقدمها، خصوصاً عندما يتعلق ذلك بالاستقرار المالي والاقتصادي. عندما تعد بشيء فإن المراقبين في الأسواق من مستثمرين ومحللين وبنوك وبيوت خبرة يراقبون ويتابعون بدقة ما ستقدم بناء على هذا الوعد، وبالتالي سيقررون كيف يستجيبون من خلال آلية الأسواق. آلية السوق قوية جداً، وهي الآن التي تقيم ما يتم الاتفاق عليه في منطقة اليورو للتعامل مع الأزمة، وبالتالي تستجيب بناء على ذلك. في أغلب الحالات، كلما وعدت الدول الأعضاء في منطقة اليورو بشيء، وقدمت أقل مما كان متوقعاً كانت استجابة الأسواق سلبية وشديدة الوطأة على اقتصادات الأزمة في منطقة اليورو (كاليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا وإيطاليا) من خلال ازدياد المخاوف، وظهور بوادر شكوك حول مدى إمكانية نجاح خطط الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تنفذها، الذي يترجم إلى ارتفاع في تكاليف إعادة التمويل لديون هذه الدول. شهد الأسبوع الماضي استجابة من الأسواق من هذا النوع، حيث ارتفعت تكاليف عقود مبادلة الائتمان CDS بشكل كبير بالنسبة إلى إسبانيا وإيطاليا، بل إن عملية إعادة التمويل لجزء من السندات الإسبانية لم تتم بالشكل المتوقع. المحللون يرجعون ذلك إلى عدم قناعة من المستثمرين بما تم الاتفاق عليه بين دول منطقة اليورو في نهاية آذار (مارس) الماضي حول زيادة حجم الجدار العازل للأزمة، الذي كان من المتوقع أن تبلغ حجم الزيادة الجديدة فيه ما قيمته 500 مليار دولار، وليبلغ حجم الجدار العازل الجديد ما يقارب التريليون دولار. على العكس مما كان متوقعاً، فقد اتفق الأوروبيون على استخدام مزيج من مبالغ متبقية وموجودة سابقاً في صندوق الاستقرار المالي الأوروبي EFSF، مع مبلغ تم اعتماده سابقاً لتأسيس آلية الاستقرار الأوروبي ESM لتغطية المبلغ المطلوب، وعلى الرغم من ذلك، فلم تبلغ قيمة ما تم توفيره المبلغ المتوقع من قبل الأسواق، والنتيجة أن الأسواق أدت دورها في الاستجابة السلبية لمثل هذا التصرف. المتابع للأحداث في منطقة اليورو يستشف أن هناك انقساما كبيرا بين الدول الأعضاء في تقاسم المسؤوليات حول تكاليف الأزمة، ما يؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار، وهو الأمر الذي يحبط الأسواق في كل مرة. قارن ذلك بالتعامل مع أزمة الرهن العقاري وانهيار بنك ليمان، وستجد فرقا كبيرا في سرعة التعامل، حيث اتخذ الكونجرس الأمريكي قرارات صعبة، لكنها سريعة لاحتواء الأزمة. بالطبع كانت هناك انتقادات كبيرة، وما زالت هذه الانتقادات دائرة، حول استخدام أموال دافعي الضرائب لانتشال المؤسسات المالية من أزمتها، لكن النتيجة كانت تخفيف آثار الأزمة على الجميع، إذ لم يكن أحد يستطيع تصور ما يمكن أن يحدث لو لم تتخذ الحكومة الأمريكية قرارها في ذلك الوقت بتعزيز رؤوس أموال المؤسسات المالية لامتصاص خسائرها الكبيرة وتدهور ميزانياتها. ليس لدي أدنى شك أن منطقة اليورو وأوروبا بشكل عام تعيش حالة مخاض شديد، وما زالت لم تنفض بعد عنها غبار أزمتها. إذا لم يستطع الأوروبيون اتخاذ قرارات حاسمة وجادة للتعامل مع الأزمة، وحماية المكتسبات التي تحققت أخيرا ومن ضمنها برامج التصحيح المالي في كل من اليونان والبرتغال وأيرلندا، فإن كل هذه المكتسبات ستكون عرضة للخطر من خلال انخفاض ثقة المستثمرين وزيادة مخاوفهم بشأن عودة الأزمة مرة أخرى. هناك شكوك كبيرة في قدرة البرتغال واليونان على الحصول على التمويل من قبل الأسواق المالية حتى بعد انتهاء برامج الإقراض المالي الحالية، وعدم التعامل الواقعي من قبل دول منطقة اليورو الأخرى، خصوصاً ذات الوضع المالي والاقتصادي الجيد كألمانيا وفرنسا، وعدم تحملهم مسؤولياتهم سيؤدي إلى تهديد نجاح هذه البرامج، وتأكيد عدم قدرة هذه الدول على الاستدانة من الأسواق حتى بعد انتهاء هذه البرامج الاقراضية، ما يعني ضمناً أنها ستلجأ مرة أخرى إلى التمويل الرسمي من قبل دول منطقة اليورو ومن قبل المؤسسات المالية الدولية. الخلاصة، أن الدول التي تشجع اقتصاد السوق وتدعم آلياته، يجب أن تؤمن بنتائجه وقدرته على التصحيح. لذلك، لا مناص لهذه الدول من التعامل بمصداقية مع الأسواق، وألا تكون اللعبة السياسية هي المحرك لهذا التعامل. قد تستطيع هذه الدول أن تحقق بناء على ذلك مكاسب سياسية يقتصر نفعها على أفراد أو حزب معين، لكن النتيجة ستكون مكلفة من وجهة نظر السوق. السوق لا يحكم بناء على النتائج السياسية، لكن بناءً على لغة الأرقام، ولن يكون السياسيون على الإطلاق أفضل من اللاعبين في الأسواق في لعبة الأرقام.
إنشرها