Author

لماذا لا تؤثر ثروة العرب في توجيه بوصلة السياسة الدولية؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
يخطئ من يقول إن الاقتصاد شيء والسياسة شيء آخر. الاثنان مرتبطان ارتباطا عضويا لا ينفصم. فالثروة النابعة من اقتصاد قوي هي الدعامة التي يستند إليها السياسيون وهي الركيزة التي بواسطتها تبني الدول جيوشا قوية للدفاع عن مصالحها. ونرى اليوم كيف أن الغرب يتكئ على ثروته واقتصاده وعملته وماله وصيرفته وتجارته في محاربة الدول التي لا تتماشى سياستها وأفعالها مع مصالحه ومصالح حلفائه. وما العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب بين الحين والآخر، إن من خلال الأمم المتحدة ومجلس أمنها، أو من خلال قرارات تتبناها دوله مجتمعة، إلا واجهة من واجهات السياسة وجزء مكمل يعد الأرض للمعركة العسكرية. ولا يختلف اثنان في أن الله قد أنعم على بعض الدول العربية، ولا سيما النفطية والغازية منها، بثروات هائلة. وهذه الثروات، عكس ما لدى الأمم الأخرى، مرتبطة بمادة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها، ودورها في الاقتصاد العالمي والنمو الذي يحتاج إليه لدوران عجلاته يقارب دور الأوكسجين لإدامة الحياة. والثروات، ولا سيما الطبيعية منها نعمة إلهية. والعرب أصحاب كتاب سماوي يؤشر لهم وببعض التفصيل كيفية التصرف في نعم الله على الأرض. فإضافة إلى الشكر الذي على المسلم تقديمه لرب العباد ليل نهار على هذه النعم، تقع على أوليائهم مسؤولية استخدامها بما يعز الإسلام وأمصاره. وكنت قد أثرت عند حديثي عن الصناديق السيادية في إحدى رسائلي السابقة سؤالا مهما. والسؤال كان: لماذا باستطاعة الصين لي ذراع الغرب من خلال صندوق سيادي يعد قزما عند مقارنته بموجودات الصناديق العربية، بينما لا يفلح العرب ليس في لي ذراع الغرب، بل حتى في دفعه لاتخاذ سياسات متوازنة وعادلة تجاه قضاياهم؟ في الحقيقة كنت قد طلبت من القراء الإجابة عن السؤال، ولكن قرائي الكرام وفي مراسلات خاصة طلبوا مني الإجابة. ورضا قرائي الكرام يأتي بعد رضا الله والوالدين. هناك جوابان لهذا السؤال المهم. الأول يتعلق بالثروة التي يمتلكها العرب وهي النفط والغاز. هنا يلعب الجانب السياسي دورا بارزا، ولكن في اللحظة التي يقرر العرب فيها استخدام هذه الثروة كورقة ضغط لنيل مطالبهم المشروعة كما يفعل الغرب من خلال استخدام ثروته لنيل مطالب أغلبها غير مشروعة لا بل ظالمة، ستتغير البوصلة السياسية وبسرعة مذهلة لمصلحة العرب والمسلمين. والغرب يدرك هذا الأمر جيدا وتسارع اليوم دوله الخطى في تبني سياسات اقتصادية تمكنها من التغلب على العرب إن قرروا يوما ما استخدام الأسلوب الغربي بفرض عقوبات اقتصادية لنيل مطالبهم. والجواب الثاني يقتصر على دور الصناديق السيادية. أنا لا أظن أن الصناديق السيادية العربية "سيادية" حقا رغم مبالغها الهائلة، حيث تصل إلى 1800 مليار دولار أي نحو نصف موجودات الصناديق السيادية في العالم. والسبب يعود إلى إشكالية استخدامها، حيث إن نحو 80 في المائة منها عبارة عن سندات الخزانة الأمريكية. العرب يشترون سندات الخزانة الأمريكية دون مقابل. الصين تشتري سندات الخزانة الأمريكية شريطة أن تقوم الولايات المتحدة بالسماح لها بتصدير السلع الصينية إلى الأسواق الأمريكية. بمعنى آخر أن العرب يمولون عجز الميزانية الأمريكية دون مقابل. نعم شراء السندات أفضل من تكديس العملة بالدولار، ولكن الصين تشتري هذه السندات من فائض تجارتها وتجبر أمريكا في الوقت نفسه على استيراد البضاعة الصينية، مما يؤدي إلى نمو مطرد في الاقتصاد الصيني وتشغيل الأيدي العاملة في الصين وزيادة الإنتاج، وإضافة إلى ذلك فإنها ستطالب أمريكا بسداد ما يترتب عليها من ديون نتيجة شرائها هذه السندات. وكي تشتري الصين مزيدت من سندات الخزانة الأمريكية تفرض على أمريكا شراء مزيد من البضائع الصينية، وهكذا تتفاقم الثروة الصينية نتيجة زيادة التصدير وزيادة ما لديها من ديون على أمريكا.
إنشرها