التضخم يضع بصمته على النمو الاقتصادي في الصين

التضخم يضع بصمته على النمو الاقتصادي في الصين

ما يقرب من 10 في المائة من النمو سنويا في المتوسط منذ عام 1980 هو ما يحققه الاقتصاد الصيني في ظل غياب أي اقتصاد آخر يستطيع حاليا تحقيق نفس النسب من النمو. وذلك رغم ارتفاع التضخم الذي وصل إلى 3.6 في المائة في آذار (مارس)، مقارنة بالسنة الماضية، ومقارنة بنحو 3,2 في المائة في شباط (فبراير). وتسعى الصين إلى عدم تجاوز نسبة 4 في المائة من التضخم لعام 2012. فبعدما كانت الدولة في طريق النمو قبل عقد من الزمن تحولت الصين حاليا إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. المعجزة الصينية، سمحت لملايين الصينيين من مغادرة حياة الفقر في المناطق الريفية للبحث عن حظ النجاح في المدن الكبيرة. وقد مكنت اليد العاملة الصينية الهائلة بكين من دخول التجارة العالمية ليصبح البلد ورشة عمل تجذب المستثمرين من مختلف أنحاء العالم الحريصين على زيادة هامش ربحهم أو على الأقل البقاء في دائرة المنافسة. ولدعم هذه الطفرة في الاستثمار، عملت بكين ومناطق الصين الأخرى بدورها على إطلاق مشاريع ضخمة ليس فقط لتوفير بنية تحتية للبلاد قادرة على دعم النمو، ولكن أيضا تطوير العقارات السكنية لاستيعاب وصول الملايين من الصينيين من المناطق الريفية. وإذا كانت النتائج ممتازة، فإن هذا النمو الذي عززته الصادرات والاستثمارات له حدود. فالطلب في البلدان الصناعية، ولمدة طويلة، سيعاني من عمليات خفض الديون وتجميد الدخل. أما بالنسبة لقطاع العقارات الذي تطور بشكل كبير فلدى بعض الخبراء الاقتصاديين مخاوف من فقاعة يمكنها الانفجار في أي لحظة قد تهدد الاقتصاد برمته. وأخيرا، فعن طريق إبطاء ارتفاع قيمة عملتها، فإن الصين ظلت بالتأكيد قادرة على المنافسة، ولكن أصبحت المنتجات المستوردة باهظة الثمن وتعرض هذه السياسة المواطنين الصينيين لارتفاع كبير في التضخم يؤثر في القوة الشرائية. ولمواجهة هذه المشاكل، تستعد الصين لتحد صعب في التغيير يتعلق بالتركيز على الطلب المحلي. لذلك عملت بكين على رفع الأجور، والسعي إلى تحسين مستويات المعيشة للأسر، وإن لزم الأمر، انخفاض في النمو. لأنها تدرك أن مثل هذا التطور لن يكون سهلا، ويمكن أن يكون له أثر سلبي في النمو. فبعد أن ظلت نسبة النمو لمدة طويلة تصل إلى 8 في المائة، فقد خفضت التوقعات إلى 7.5 في المائة لعام 2012 و 7 في المائة لفترة السنوات الخمس المقبلة. ولأن الصين غير راضية عن التراجع في قيمة العملات العالمية الرئيسية (الدولار واليورو)، فهي تسعى إلى تدويل اليوان تدريجيا لجعله عملة احتياط مهمة على الصعيد العالمي. ولتحقيق ذلك، تشجع بكين شركاتها للاستثمار في الخارج، وتعزز التبادل التجاري باليوان وتسعى إلى تقديم قروض لبعض البلدان النامية بعملتها. هذا التركيز على السوق المحلية مسألة مهمة في وقت يعاني فيه المستهلكون في الدول الصناعية من انخفاض في القدرة الشرائية. وهو ما سيساهم بحسب بعض الخبراء إلى إعادة التوازن في الاقتصاد العالمي الذي اتسم في الآونة الأخيرة باستهلاك مفرط وديون في الغرب من جهة، وإنتاج ضخم مع التركيزعلى الادخار في دول الاقتصادات الناشئة من جهة أخرى. فارتفاع القوة الشرائية للصينيين وظهور طبقة وسطى تتطلع إلى نفس مستويات استهلاك الأسر الغربية ستشكل مصدرا مهما للطلب ليس فقط على كل أنواع السلع ولكن أيضا للخدمات. الاقتصاد العالمي لديه إذن كل المصلحة في أن تتمكن الصين من تطبيق سياسات التغيير هذه لكي تصبح سوقها جذابة للشركات المحلية ومنتجاتها وذلك لعرض وتقديم ما تحتاج إليه الطبقات الشعبية كما المتوسطة. وبالتأكيد فإن هذا التغيير لن يكون سهلا وقد يؤدي إلى انخفاض النمو، لكن الصين لديها الوسائل الكفيلة لتحقيق النجاح المطلوب. وهو ما يدفع بعض الخبراء الماليين إلى مواصلة دعوة المستثمرين إلى اقتناء كل أنواع الأسهم والمستندات والمواد الأخرى التي لها علاقة بالعملاق الآسيوي.
إنشرها

أضف تعليق