أخبار اقتصادية

التوجه لإلغاء الكفالة في دول الخليج تنقصه الضوابط

التوجه لإلغاء الكفالة في دول الخليج تنقصه الضوابط

انضمت المملكة العربية السعودية للبحرين والكويت وقطر في التوجه نحو إلغاء نظام الكفيل للعمالة الأجنبية. ومن المقرر أن ترفع وزارة العمل السعودية دراسة لائحة شركات الاستقدام إلى مجلس الوزراء للموافقة النهائية عليها. وتتضمن الدراسة منع احتجاز جواز سفر العامل وإلغاء موافقة الكفيل على استقدام العامل لأسرته أو طلب التصريح له بالحج أو الزواج أو زيارة أحد أقاربه في منطقة أخرى داخل السعودية، وإلغاء أي مسؤولية شخصية للكفيل بسبب تصرفات العامل الوافد خارج إطار العمل. وأوصت الدراسة بإنشاء هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية تتبع لوزارة العمل هدفها الإشراف على أوضاع العمالة الوافدة وإلغاء أي دور للكفيل التقليدي، مقترحة أن يسمى هذا الجهاز "هيئة شؤون العمالة الوافدة"، وأن يكون مقرها الرياض ولها فروع في مناطق المملكة. وحسب تقديرات وزارة العمل السعودية فإن في البلاد نحو ثمانية ملايين أجنبي، منهم ستة ملايين يعملون في القطاع الخاص. ونشأت فكرة الكفيل بأن يكون لدى وافد من أجل العمل كفيل يكفله في حالة أن يكون على المكفول مديونيات تمنعه من السفر فيكون الكفيل متكفلاً بسداد ديونه، لكن في الممارسة العملية صار الكفيل يتحكم في المكفول تحكما تاما، حيث إنه يعطي مجموعة من الأفراد الحق في استيراد عمالة كما لو كانت تستورد بضائع، ويتحكم في الناس، وأيضا يقوم بأخذ مبلغ مالي من شركات العمالة لكي يوفر لهم عددا من الوظائف الحاصل على ترخيص بها، وبالتالي عندما يصل المكفول إلى بلد الكفيل وتكون الفيزا الخاصة بالمكفول مكتوبا فيها اسم الكفيل برقم خاص بالكفيل، فيقوم الكفيل بفرض مبلغ مالي أيضا على المكفول، ويكون هذا المبلغ نسبة من المرتب، ويصادر جواز سفره، ولا يسمح له بالسفر إلا بإذن الكفيل. وإذا اختلف المكفول مع الكفيل فيبدأ ينسب الكفيل إليه تهمة الهرب، وتعد هذه جريمة في هذه البلاد، وتنشر صورته في الجريدة، ويحظر التعامل معه. كما استثمر هذا النظام من قبل بعض الشركات والأفراد لجلب أعداد من الأيدي العاملة التي يطلق سراحها في الأسواق لتمارس شتى المهن مقابل رسوم تدفعها شهريا أو سنويا للكفيل، وهو ما خلق ظاهرة سميت "فري فيزا"، وقد قدر عددها في البحرين فقط بنحو 50 ألف عامل. وعلى مستوى الخليج العربي، بدأت البحرين مشوار إلغاء كفالة العمالة الوافدة عام 2009. وعلى الرغم من أن القانون كان قد صدر عام 2006، فإن رفض رجال الأعمال له أخر إصداره بشكل تنفيذي. لكنها في وقت لاحق عدلت الفترة التي سمح فيها للعامل الأجنبي بتغيير كفيله من ثلاثة شهور إلى ستة شهور. كما أعلنت الكويت اعتزامها إلغاء نظام الكفيل بعد أن سمحت في 2009 للعمال بتغيير كفالتهم بعد انتهاء فترة العقد الأولية، أو بعد العمل ثلاث سنوات متتالية لدى صاحب العمل. وأعلنت قطر أنها سوف تؤخر دراسة تعديل نظام الكفالة حتى ترى ما تسفر عنه نتائج تجربتي مملكة البحرين ودولة الكويت اللتين أقدمتا على إلغاء نظام الكفالة. كما أعلنت الإمارات مطلع العام الماضي تخفيف قيود نقل الكفالة بين العمال الأجانب، لتنتهج بذلك أسلوبا أقل شدة في نظام الكفيل المطبق في معظم الدول الخليجية. والذين يدعمون توجه إلغاء نظام الكفالة يقولون إن ذلك سيؤدي إلى رفع إنتاجية العمالة الأجنبية الماهرة بعد تحسين شروط عملها، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى زيادة الدخل القومي، وسيؤدي إلغاء الكفالة أيضاً إلى القضاء على تجارة التأشيرات، وهذا سيقود بدوره إلى تخفيض كبير في حجم العمالة الأجنبية غير الماهرة المستقدمة، وإلى القضاء على المشكلات الأمنية الناجمة عن هروبها، ويحقق التوازن في التركيبة السكانية بين المواطنين والأجانب، ويشجع الشباب الخليجي في الوقت ذاته على دخول سوق العمل، كما أن تعميم إلغاء الكفالة سيمنع انتقال العمالة الأجنبية الماهرة بين الدول الخليجية، الأمر الذي سيؤدي إلى استقرار أسواق العمل، إضافة إلى ذلك فإن تداعيات إلغاء الكفالة لن تكون خطيرة على أسواق العمل الخليجية. وصحيح، فقد أثبتت التجربة البحرينية أن تغيير نظام الكفالة لم يحدث تداعيات خطيرة في سوق العمل البحريني، فلم تتم سوى انتقالات عمالية طفيفة، كما أن مخاوف أصحاب المؤسسات الصغيرة من خسائر الانتقالات قد عُولجت قانونياً عن طريق إلزام المكفول بتعويض الكفيل عن نفقات الاستقدام بصورة عادلة. إلا أنه في الجانب الآخر أيضا، لم يؤد إلغاء النظام لا إلى زيادة العمالة الوطنية ولا إلى تحسين رواتبها، كما تم التوقع في بداية تطبيق الإلغاء. فقد أظهرت بيانات سوق العمل التي أعلنها في النشرة الاقتصادية لمصرف البحرين المركزي، أن العمالة الأجنبية في القطاع الخاص ارتفعت من 386,976 عاملا في ديسمبر 2010 إلى 390,477 عاملا في يونيو 2011 بزيادة قدرها 3,501 عامل. وقد بلغ مجموع العمالة 514,555 عاملا في يونيو 2011 بزيادة 3996 عاملا عن ديسمبر 2010 ذهبت جميعها للعمالة الأجنبية التي تمثل 91.9 في المائة من مجموع عمالة القطاع الخاص. كما تظهر بيانات النشرة الاقتصادية أن العمال الأجانب ما زالوا خياراً مفضلاً لأرباب العمل؛ لأنهم أقل كلفة من البحرينيين، حيث اتسعت فجوة الأجور بين العاملين الأجانب والبحرينيين من 258 دينارا لدى بدء التطبيق العملي لمشروع الإصلاحات في 2006 إلى 390 ديناراً عام 2010، ثم إلى 409 دينارات في يونيو 2011، وهو ما يسهم في زيادة الإقبال على العمالة الأجنبية. وقد اقترحت منظمة العمل الدولية كبديل لإلغاء الكفيل أن يكون العقد هو أساس العلاقة بين العامل وصاحب العمل، مع الالتزام بشروط هذا العقد وعدم تغييرها، والدولة هي الجهة التي تقوم بمنح الإقامة لهذا العامل، (فالعقد هو الذي يحدِّد طبيعة العمل، والدولة هي التي تمنح صفة الإقامة). أما البديل الثاني فهو تأسيس شركات لهذه العمالة، وهو البديل الذي يثير مخاوف من أن تتحول هذه الشركات لمكاتب استقدام، ويكون في ذلك جهد ذهب في الريح، حيث الوضع لن يتغير. ويشار إلى أن البديل الأول هو الذي حظي بأغلبية مناصرة في دول الخليج العربي، وعدد من الدول المصدرة للعمالة، كما أنه لاقى دعما وتأييدا من منظمة العمل الدولية، وهيئة حقوق الإنسان. وعموما، فإن الاستجابة للتغيرات العالمية أمر لا بد منه في ظل ظروف العولمة ويبدو ضاغطا على دول التعاون، إلا أن ذلك لا بد أن يتم ضمن ضوابط تضمن حقوق كافة الأطراف وتأخذ بعين الاعتبار ظروف البلدان المعنية وانعكاسات أي خطوة على التنمية الاقتصادية، وهنا بالذات يأتي دور الجهات التشريعية باعتبار أن هذه قضية مهمة تتعلق بالتنمية والبطالة وبالمستوى المعيشي. وحتى الآن، ووفقا لما أسفر عنه تطبيق التجربة في البحرين، فإن تجربة الإلغاء تنقصها بعض الضوابط، إذ من المعروف أن الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية تأتي إلى بلدان الخليج غير مدربة، حيث يتم تدريبها هنا وتكتسب من خلال هذا التدريب الخبرة اللازمة والتأهيل اللذين تتطلبهما ظروف العمل، ومن هنا وإذا ما افترضنا أن إحدى الشركات الوطنية أو أحد رجال الأعمال قام باستقدام الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية وصرف مبالغ طائلة على تدريبها وقرر الكثير منهم بعد انتهاء فترة التدريب ترك العمل والانتقال إلى شركات أخرى ربما للحصول على رواتب أعلى أو ظروف عمل أفضل. من حيث المبدأ يعتبر ذلك حقا للعامل ويستجيب للمعايير الدولية، إلا أن القانون في الوقت نفسه يجب أن يضمن حق المستثمر، إذ لا يمكن أن تأتي بمجموعة أخرى ويقوم المستثمر بتدريبها، ومن ثم تغير موقع عملها لتبدأ العملية من جديد.. وهكذا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية