40 % من سوق المشاريع الصغيرة في مكة تسيطر عليها عمالة وافدة

40 % من سوق المشاريع الصغيرة في مكة تسيطر عليها عمالة وافدة

لم يكن يعتقد طلال الحكمي الشاب السعودي أن حلمه الصغير سيواجه بحملة شعواء من قبل الشخص الذي استقدمه للعمل في الكافتيريا الخاصة به، حيث عمد هذا العامل، الذي اتفق معه براتب شهري يصل إلى أكثر من 1500 ريال مع الحوافز، إلى إجهاض تجارة كفيله في سبيل الضغط عليه كي يوافق على تأجيره الكافتيريا مقابل أجر شهري زهيد لا يتجاوز 2500 ريال، وفي المقابل يربح هذا العامل أكثر من خمسة آلاف ريال. هذه الحيلة الشيطانية فطن لها هذا الشاب عندما راقب تجارته التي كادت تهوي به إلى الخسارة، وهي تزدهر وتتنامى أمام عينيه، بل وصل الأمر إلى أنها تواصل الليل بالنهار مدعمة بعدد من أبناء جلدته يساعدونه في التجارة، فعمد إلى تغيير استراتيجيته من خلال تفرغه من عمله في إجازة مفتوحة ومكث في محله وغيّر طاقم عمالته وجاهد وصبر حتى نجحت تجارته التي كسب من خلالها الكثير من الدروس، ومنها الصبر وعدم إيكال الأمور كلها إلى العامل، بل المتابعة المستمرة هي التي تنجح العمل بعد توفيق الله. هذه القصة التي كانت مدخلا لتحقيق صحافي تقوم به ''الاقتصادية'' حول سيطرة العمالة الوافدة على سوق المشاريع الصغيرة، ومضايقته الشباب السعودي الراغب في عمل مثل تلك المشاريع، من خلال تكتلات وتحزبات يعمد إليها هؤلاء العمالة لتطفيش الشاب، أو إيهامه بأن هذا العمل غير مربح ومتعب في الوقت نفسه، يعتبر دليلا على أن هناك فجوة توعوية لم يغذ بها الشاب كي ينطلق في تنفيذ مثل تلك المشاريع، وفق أسس صحيحة ومدروسة، لا تسمح لمثل تلك التجاوزات من قبل الوافد بتحطيم مشروعه واستغلال اسمه في استمرار المشروع ولكن بإدارتهم، لا يجني من خلالها الشاب سوى الفتات من المال نهاية كل شهر. ''الاقتصادية'' جالت في أسواق مكة، ولاحظت أن أكثر سيطرة العمالة الوافدة تتمثل في سوق الخضار والفواكه، وسوق الأغنام، إضافة إلى المحال التجارية الصغيرة، كمغاسل الملابس، والبوفيهات، والسوبر ماركات، وكانت هناك آراء أطلقها عدد من المتعاملين من الشباب السعودي في تلك الأسواق تؤكد صعوبة تملك مشروع صغير دون تأجيره إلى العمالة الوافدة. يقول بندر الزهراني: ''يقع بعض من يريد الاستثمار في المشاريع الصغيرة في مشكلات، منها عدم القدرة على إكمال المشروع أو تغطيته من الناحية المادية فيلجأ إلى تأجير هذا المشروع إلى عمالة وافدة تديره بينما تكون لصاحبه نسبة من دخل هذا المشروع، والسبب الآخر لتأجيره للعمالة الوافدة، إحساس صاحب المشروع بأن إدارة العمالة الوافدة للمشروع ستحقق أرباحا كبيرة ومضمونة بعكس لو قام هو بإدارته، فهذا يجبر المالك على التستر على هذه العمالة''. ويقول فهد المناعي: ''قد نكون نحن السبب الرئيس في هذه المعضلة التي يعانيها الشباب السعودي، لأننا نرتكن إلى الكسب السريع القليل في الوقت ذاته، وذلك من خلال تأجير مشروعنا للعمالة الوافدة، لكنّ هناك في المقابل حلولا جذرية وهي تنطلق من الشاب السعودي نفسه، فالاعتماد على النفس، ومحاربة هؤلاء العمالة عن طريق مراقبة سير المشروع، في كل صغيرة وكبيرة، قد تكون تلك المشاريع ناجعة في قادم الأيام. وقدر عبد الله فلالي، وهو أحد المختصين في لجنة شباب وشابات الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، أن ما نسبته 40 في المائة من سوق المشاريع الصغيرة، وقطاع التجزئة يسيطر عليها الأجانب من العمالة الوافدة، لا يسمحون بدخول محيطهم التجاري إلا لأبناء جلدتهم فقط، أما سوى ذلك فإن مآله الخسارة، وحسبي في ذلك الشاب السعودي، الذي سمح لنفسه أن يرتمي في أحضان هؤلاء العمالة الوافدة، والارتكان إلى ما يجنيه منهم نهاية كل شهر، بينما هم يحصلون على الجزء الأكبر من كعكة تجارة هذا الشاب المغلوب على أمره. ويضيف فلالي: ''إن الدعم المادي والمعنوي موجود، من لجان المنشآت الصغيرة في الغرف الصناعية التجارية المنتشرة في جميع مناطق السعودية، التي تقدم كل التسهيلات التي تساعد الشاب على البدء في تنفيذ مشروعه، من خلال تقديم الرأي المستمد من خبرات ودراسات علمية ومن بعدها تقديم الدعم المادي له كي يؤسس مشروعه، لكن في المقابل لم نجد تجاوبا أو تفاعلا من قبل الشاب السعودي، وهناك إقبال ضعيف جدا على طلبات المشاريع الصغيرة، وهو ما جعل العمالة الوافدة تستغل هذا الركود والتكاسل من الشباب السعودي، والسيطرة عليه من خلال استغلال اسمه التجاري، مقابل مبلغ مالي قليل يحصل عليه نهاية كل شهر''. وأبان فلالي أن لجنة شباب وشابات الأعمال المقامة في العاصمة المقدسة تعمل لتحقيق أهداف عدة، أهمها تأهيل الكوادر الشابة ومساعدتهم على النهوض بمشروعاتهم الصغيرة وذلك باستقطاب وانتقاء شباب الأعمال الطموح، تبعاً لتوصيات أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل، في التطوير الحاصل في هذه المنطقة من الناحية المهنية والعقارية والاقتصادية. وأضاف أن لجنة شباب وشابات الأعمال تسعى إلى ترجمة أهداف الشباب والشابات إلى واقع ملموس عبر تقديم الدعم الاستشاري والتدريبي، إذ نبني مشاريع ذات قيمة نوعية تخدم الاقتصاد الوطني وكذا نعد تجار المستقبل، ونذلل العقبات أمام الشباب، إضافة إلى متابعتنا سير المشاريع والتأكد من نجاحها. وأوضح فلالي أن مثل هذا المشروع قد تم عمله في السعودية من قبل، لكن لأول مرة سيقام في مكة المكرمة، مشيرا إلى أن اللجنة ستقوم بعمل ثلاثة مشاريع للشباب والشابات، أولها عدة لقاءات مع رجال أعمال معروفين ليحكوا قصة نجاحهم، وسيكون هذا المشروع شهريا، إضافة إلى إقامة برنامج تحفيزي جماهيري يسهم في معونة الشباب والشابات على إقامة مشاريعهم بأنفسهم مع عمل ملتقى ومعرض للشباب والشابات، موعزا اختيار العاصمة المقدسة لما فيها من تطوير تشهده المنطقة من ناحية العملية الاقتصادية والعقارية أيضا، ومبينا أن اللجنة استفادت من أعمال وخبرات لجان شباب الأعمال في الغرف التجارية في المملكة وأهمها غرف: جدة، الرياض، والشرقية. من جهته، قال جلال كعكي، أحد أبناء أشهر بيوت التجارة في مكة، ويعمل موظفا في أحد القطاعات الحكومية، ''إن الأمر لا يعدو كونه يحتاج إلى الصبر على المشروع الذي يقوم بتنفيذه الشاب، وعدم الاستعجال في الكسب المادي، وهذا الأمر يعتبر أهم معضلة تواجه الشباب السعودي في عدم نجاح مشاريعهم الصغيرة، لأنه يفتقد عنصر الصبر، وهذا الأمر يحتاج إلى خضوعه لجرعات توعوية، وهذا ما تسعى إليه ''غرفة مكة'' في عقدها لقاءات مع تجار مكة القدامى مع شباب هذا الجيل كي يستفيدوا من الدروس والعبر التي مر بها الرعيل الأول من تجار مكة''. وتابع كعكي حديثه'' ''أصدقك القول إنني محظوظ لأنني من بيت عمل بالتجارة منذ القدم، وهذا الأمر الذي ساعدني على تنفيذ أحد مشاريعي التجارية، من خلال الخبرات التي تلقيتها من والدي وأعمامي، على الرغم من التجاوزات التي حدثت معي من قبل عمالة وافدة لإجهاض تجارتي إلا أنني تسلحت بالصبر، وعملت استراتيجية تنظم وقتي، بدأتها بأخذ إجازة من عملي من دون راتب لأشهر عدة، كرست كل هذا الوقت لتجارتي ومتابعة كل صغيرة وكبيرة حتى أحكمت أمور تجارتي، ومن بعدها استطعت أن أوفق بين عملي وتجارتي، التي - ولله الحمد - تنمو بين فترة وأخرى. من جهته، قال سالم المطرفي، رجل أعمال وخبير اقتصادي: ''إن قضية البطالة تعد أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة، التي تستغلها العمالة الوافدة في التحكم في الشاب السعودي، وإقناعه بالقليل من المال نهاية كل شهر، وهو الأمر الذي يزيد من وتيرة المطالب بأهمية محاربة ومكافحة الممارسات والحد من مد العمالة وسيطرتها على الفرص المتاحة للمواطنين وأبناء البلد بما في ذلك إعادة تأهيل وتدريب طاقات الشباب السعودي لكبح جماح هذه الظاهرة وتكميم البطالة المخيفة في ظل سيطرة الوافدين على قطاع المشاريع الصغيرة، الذي يعد أهم وأبرز قطاع حيوي في الاقتصاد المحلي ويمثل إحدى دعائم القطاعات الرئيسة في اقتصادات العام. وحذر المطرفي من استمرار سيطرة العمالة الوافدة على قطاع المشاريع الصغيرة وهو ما ينذر بمساوئ خطيرة قد تضر بمستقبل الاقتصاد السعودي، داعيا إلى أهمية تفكيك هذه التكتلات وتحزبات العمالة الوافدة في هذا القطاع عبر تشريع وتنظيم الكثير من الخطوات التي تقنن وتنظم ساعات العمل في هذا القطاع عبر إغلاق محال التجزئة في أوقات معلومة، كما يتم في العديد من الدول الأوروبية التي قامت بسن بعض الأنظمة والقوانين التي تنظم عمل هذا القطاع المهم بدلا من استمرار الوضع الحالي الذي يمثل تحديا كبيرا للشاب السعودي بضرورة عمله أكثر من 16 ساعة، كما يقوم بذلك العامل الوافد، ما يجهض عمليات السعودة ويفتح الباب على مصراعيه لسيطرة وتكتلات العمالة الوافدة على أهم مكونات الاقتصاد المحلي عبر أسماء تسترية واضحة للعيان. وقال المطرفي: ''من المعروف أن مد العمالة الوافدة يؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة العرض، ما ينعكس على تقلص أجور السعوديين في ظل منافسة غير عادلة وغير متوازنة مع العامل الوافد، وهو مما لا شك فيه مما يرفع المطالب بوضع سياسات حيوية لتنظيم سوق العمل ومن ذلك إصدار تنظيمات من شأنها أن تقصر العديد من المهن على المواطنين، وهو الأمر الذي سيدعم - بلا شك - إيجاد فرص العمل للمواطنين.
إنشرها

أضف تعليق