Author

زيادة الرواتب علاج أم تسكين للألم؟

|
غلاء المعيشة، كلمتان تختزلان مشكلات جمة، وتتوغلان في أي مجتمع حتى أعماق التفاصيل الصغيرة للحياة، وهما جزء من معادلة يعني طرفها الآخر الفاقة، والشدة، والعوز، وشظف الحياة، وقِسْ على ذلك ما تشاء من المفردات ذات الدلالات المؤلمة، والأبعاد القاهرة. وفي يومنا هذا، غير خافٍ على أحد ما نشهده من ارتفاع لافت لمعدلات غلاء المعيشة الذي نتلمسه واقعًا يوميًّا يلازمنا لزوم الغريم غريمه! فكل يوم يحرق طبقة بعد أخرى حتى يتناول فيما بعد جميع طبقات المجتمع التي تختلف معاناتهم فيه بين طبقة وأخرى، حيث فشا هذا الغلاء قبل نحو ثلاث إلى خمس سنوات مضت، ابتدأ أول مرة على شكل غلاء في المواد الغذائية، والمحروقات، ثم الغلاء في السكن إلى الدرجة التي أصبح فيها شريكًا لرب العائلة فيما يأخذه من راتب شهري! فهو يأكل من دخل المواطن ما يقارب ٣٠ إلى ٤٠ في المائة يذهب للسكن، ويضاعف حجم المعاناة يوميًّا. لن أتكلم في هذا المقال عن الغلاء الذي نعيش فيه، ومسبباته الداخلية والخارجية، وضعف العملات أو إعادة تقييمها، إنما وددت أن أطرح في هذا المقال تقييم بعض الحلول بشكل منطقي بعيد عن العاطفة، ويأخذ في الحسبان المصلحة العامة وليس المصلحة الخاصة. إن من بين أبرز الحلول التي طرحتها أغلب دول مجلس التعاون هي زيادة رواتب المواطنين في القطاع الحكومي، لكن لهذه الزيادات وقفة بعد أخرى، فالجميع يفرح عند زيادة دخله، لكن ما هو تأثير هذه الزيادة على مستوى الفرد والاقتصاد الوطني بشكل عام؟ قبل أيام قليلة تناقلت الصحف خبرًا مفاده: بأن الرواتب في دولة الكويت تأكل من إجمالي ميزانية الدولة ما يقارب ٣٠ في المائة، ولا يختلف الحال كثيرًا في باقي دول مجلس التعاون، حيث إن أغلب المواطنين هم موظفون في الدولة، والجميع يعلم أن أغلب الوزارات أو الهيئات تعتبر قطاعات خدمية مثل الجوازات والأحوال المدنية والمالية... إلخ، بمعنى أنها قطاعات غير منتجة ـــ أي لا تدر دخلاً مجزيًا لميزانية الدولة ـــ في المقابل يعلم الكل أن اعتماد دول مجلس التعاون على الثروة النفطية هو العامل الرئيس كمصدر أساسي للدخل رغم محاولات مستمرة لتشجيع قطاعات أخرى على أن تأخذ دورها في عملية الإنفاق المذكورة. والسؤال هنا: كيف ستكون أرقام الميزانية لو انخفض سعر برميل النفط إلى 50 أو حتى 30 دولارًا؟ وكيف ستتمكن دول الخليج من تغطية العجز الذي سيحدث في الميزانية في باب الرواتب والأجور من الميزانية في هذه الحال؟ عند زيادة رواتب المواطنين فإننا نقوم برفع تكلفة المعيشة في الدولة بشكل تلقائي، والسبب في ذلك أننا رفعنا القدرة الشرائية للمواطن دون أي جهد يذكر أو زيادة في الإنتاج، ومن هنا سنخلق سلوكًا غير جيد لدى المواطن يتمثل في الاتكالية العمياء، وهناك مشكلة أخرى تخلقها زيادة الرواتب، وهي المساهمة في رفع نسبة التضخم في الدولة، وغالبًا ما يستفيد من هذه الزيادة التجار وليس المواطن، حيث تكون الزيادة الحقيقية في دخل التاجر وليست زيادة في دخل المواطن! إذًا ما الحل لمحاربة هذا الغلاء وتحسين مستوى معيشة المواطن؟ نبدأ بحل المشاكل الأساسية في غلاء السكن، حيث إن السكن يأكل بين 30 إلى 40 في المائة من دخل المواطن، فيجب أن تضمن الدولة سكنًا لكل مواطن متزوج خلال خمس إلى سبع سنوات من تاريخ زواجه، وبهذا وفرت للمواطن ما يقارب 30 إلى 40 في المائة من دخله من دون خلق تضخم في السوق، أما آلية تنفيذ هذا المقترح فتتمثل في توفير منتجات مختلفة للسكن؛ لأنه ليس جميع المواطنين لهم الاحتياج والتعاون نفسه مع القطاع الخاص لتنفيذ هذه المشاريع، ويكون دور هيئة أو وزارة الإسكان هو التشريع والتنظيم والرقابة، وتوفير الأراضي للمطورين، والأهم من هذا سرعة إنجاز المعاملات وإصدار التراخيص اللازمة حتى لا يتحجج المطورون العقاريون بأن طول المدة التي تأخذها التراخيص تجبرهم على زيادة أو رفع أسعار العقار لتغطية مصروفاتهم. فيما يخص ارتفاع أسعار الغذاء، نعم، نعلم أن ارتفاع أسعار الغذاء هو ارتفاع عالمي، ولكن أيضًا نعلم أن الحكومات تقدم دعمًا للتجار، ولكن ما نريده هو دعم للمواطنين، كيف؟ إن إنشاء جمعيات تعاونية مدعومة من الحكومة يكون المواطن شريكًا فيها، سيقود إلى أن يستفاد مباشرة من الدعم الذي تقدمه الدولة للتجار، وهذا الحل سهل ميسور، وتجربته ليست عقبة كبيرة، وكذلك ممكن أن نضيف حلاً آخر، وهو تشجيع التجار على الاستثمار في قطاع الزراعة خارج دول الخليج وإيجاد حلول ودعم الأبحاث المختصة في الزراعة داخل دول الخليج، ولا يوجد مستحيل على العقل البشري، كان في الماضي من المستحيل الصعود إلى القمر، واليوم أصبح أمرًا عاديًّا جدًّا. وفي ختام حديثي، يجب أن نستفيد من الفائض في ميزانيات دول مجلس التعاون بتنفيذ المشاريع التنموية، التي يمكن أن تدر على الدولة الكثير من الأموال، وتفتح فرصًا وظيفية حقيقية لأبناء الوطن، ويجب أن تكون لدينا برامج لدعم البحث العلمي، فما قامت أمريكا ـــ وهي رائدة الاقتصاد العالمي ـــ إلا بالعلم، وبراءات الاختراع، ووجود الهدف والطموح، وهذا ما يتعين أن يكون في دول المجلس التعاون التي نطمح إليها أن تكون بين أول عشر دول منتجة لبراءات الاختراع، وتتحول إلى دول منتجة وليس مجرد دول مستهلكة. إن زيادة رواتب المواطنين في وقتنا الحالي ليست سوى حبة مسكن للمصاب بمرض خطير، وتأجيل لمشكلة لوقت آخر بلا حل جذري.
إنشرها