FINANCIAL TIMES

من أجل العالم .. أمريكا يجب أن تنخرط في علاج أزمة اليورو

من أجل العالم .. أمريكا يجب أن تنخرط في علاج أزمة اليورو

توماس كارلايل، كاتب المقالات الأسكتلندي البارز، كتب ذات مرة أن تاريخ العالم ليس سوى يوميات الرجال العظماء. ويخبرنا هذا بنصف القصة. فالأزمة التي تعصف بمنطقة اليورو تظهر كيف يمكن للأسواق المالية أن تؤثر في الثقافات السياسية ذات الجذور العميقة. لكن بإمكان الأفراد أن يُحدثوا فرقاً. فلنقارن بين زعمائنا ومن سبقوهم من الزعماء في القرن العشرين. ونجد أن أوباما المخاطب للعقل، على النقيض من آيزنهاور، أو ريجان، لا يتمتع بروابط شخصية عميقة مع الزعماء الرئيسيين في أوروبا. ونجد كذلك أن رؤية هيلموت كول بخصوص ألمانيا موحدة ضمن قارة موحدة، تتناقض مع الأسلوب المشابه لأسلوب سلطعون البحر الذي تتبعه تلميذته المقربة، أنجيلا ميركل. والعامل المشترك المهيمن في أيامنا هذه هو الافتقار إلى القدرة على قيادة الدول اقتصادياً. مضى على أزمة منطقة اليورو أكثر من ثلاث سنوات وهي تضغط علينا. وكانت الاستجابة الدولية متخبطة ومقطعة. وهناك أوجه شبه تاريخية غير كاملة بين الأزمة الاقتصادية الحالية في أثينا، وأزمة يونانية سابقة في شتاء عام 1947، هددت أيضا بأن تُحدِث أثر الدومينو عبر أوروبا. ومن الطبيعي أن الحقبتين مختلفتان. ومع ذلك تطلبت خطة مارشال قدراً كبيراً من الشجاعة السياسية. وكان على ترومان، وأشيسون، ومارشال القيام بكل شيء لضمان موافقة الكونجرس على السياسة الخارجية الجديدة المكلفة التي تم التوصل إليها ـ في تناقض ملحوظ مع الوقت الراهن ـ على خطوط اتفاق الحزبين. تشكل تلك الأزمة الأوروبية القديمة الستارة الخلفية لمذكرة أسيشون بعنوان "كنت موجوداً لدى ولادة الخطة"، التي تصف على نحو قوي إنشاء نظام فترة ما بعد الحرب الذي مارست فيه الولايات المتحدة قيادة العالم. ويمكن الجدل بأن المخاطر في أزمة اليورو عالية على نحو مشابه. وإن تفكك العملة المشتركة في هذا الوقت سيكون ضد المصالح الأمريكية بصورة شاملة. ويتحدث المسؤولون في بروكسل عن محتوى التاريخ، وعن أعظم مرحلة من بناء المؤسسات منذ أيام مونيه، وشومان، وسباك، ودو غاسباري. غير أن الافتقار إلى إدارة الأزمة وإلى حكم رجال الدولة، على جانبي الأطلسي، يدعم نظرة مختلفة لهذه الأيام: كنت غائباً لدى ولادة الخطة. هناك أسباب متعددة لاستخدام الولايات المتحدة الآن استجابة أكثر حذراً بخصوص أزمة ديون أوروبا. فقد كانت الولايات المتحدة هي مركز الأزمة المالية، ولذلك تضمنت استجابتها الأولية "الاحتواء محلياً". والحقيقة أنها تظل مستنزفة من جانب مواطن ضعفها المالية والسياسية. وبحلول وقت المرحلة الثانية تآكلت القوة الناعمة للولايات المتحدة. ولنقتبس ما قالته ميركل من أنه يجب على أولئك المسؤولين عن حدوث الأزمة ألا يلقوا المحاضرات على أولئك العالقين في عواقبها. مع ذلك، فإن أي شيء مما ذكرناه لا يفسر بصورة كاملة لماذا فشلت أمريكا في ممارسة القيادة التي مارستها، ليس فقط في شتاء عام 1947، ولكن كذلك في 1997 – 1998 خلال الأزمتين الماليتين في كل من آسيا وروسيا. وجانب من الإجابة يتمثل في نظرة إدارة أوباما الاستراتيجية الرئيسية إلى آسيا. ومع ذلك، وبما يتناقض مع الخيال الأوروبي، فإن السياسيين الأمريكيين قادرون تماماً على المشي ومضغ اللبان في آن معا. فهذه ليست بالضرورة لعبة يجب أن تنتهي بخسارة أحد الأطراف. إن الأقرب إلى الاحتمال هو أن البيت الأبيض اتخذ قراراً واعياً بممارسة ضبط النفس، لأن مشاكل منطقة اليورو تتضمن أسئلة لا يستطيع الإجابة عنها سوى الأوروبيين. وتتعلق هذه الأسئلة بالديمقراطية، والحكم الرشيد، والسيادة، وهي أمور تتعلق بصلب الهوية الوطنية والثقافة السياسية. ففي أزمة التيكيلا المكسيكية تم جر الولايات المتحدة إلى إدارة أزمة، لأن عملتها كانت على المحك. أما الآن، فإن الأزمة يسيطر عليها اليورو، وليست أزمة يسيطر عليها الدولار. وعلى نحو مشابه، فإن مقاومة الأوروبيين لتوددات، أو عتاب الولايات المتحدة، ناجمة عن الاعتقاد بأن مستقبل اليورو هو في النهاية مسألة على الأوروبيين حلها. لكن ما حجم الثقة التي يفترض أن تكون لدينا بأن الأوروبيين سيثبتون حكمهم الخاص بهم؟ قبل أسابيع قليلة فقط، شطب كثير من المعلقين حياة اليورو. ومنح قرار ماريو دراجي الشجاع بتقديم ائتمان رخيص لبنوك أوروبا مجالاً للتنفس، وربما أكثر من ذلك. لكن التشاؤم الشديد الذي سبق عيد الميلاد أخلى السبيل أمام تفاؤل شديد بعد العيد. ومن المحتمل أن السياسة – وليست الأسواق – هي التي تهيمن على الأشهر المقبلة. والأماكن التي ينبغي مراقبتها ليست فقط إيرلندا التي أعلنت الأسبوع الماضي عن إجراء استفتاء على التحالف المالي الذي فرضته ألمانيا، وإنما تشمل فرنسا. وقد تساءل متصدر السباق الحالي على الانتخابات الرئاسية، الاشتراكي فرانسوا هولاند، بشأن التركيز على التقشف على حساب النمو. ومن الأمور المهمة للغاية أن الرئيس نيكولا ساركوزي وعد بإجراء استفتاء عام بعد الانتخابات فيما يتعلق بالتحالف المالي. وسجل الاستفتاءات الفرنسية لا يثير الإعجاب، إذ تم إقرار معاهدة ماستريخت بصعوبة، وفشل إقرار معاهدة لشبونة عام 2005. بالتالي، السؤال الكبير هو ما إذا كانت السياسة تستطيع مجاراة الاقتصاد. ولدى ألمانيا خطة تتعلق بالجانب السياسي في أوروبا لموازنة منطقة يورو أكثر تكاملاً. وقد يكون التحالف المالي جزءاً من خطة أكبر لإطلاق سندات باليورو. وبعضهم يرى فيها الحل المنطقي لهذه الأزمة. لكن كما لوحظ، هناك ثلاث دول ألمانية في أوروبا: المستشارة، وبوندسبانك، والمحكمة الدستورية. والشد والتجاذب بين مراكز القوة الثلاثة هذه يمثل أحد أسباب كون ميركل مقيدة. وكما يظهر بصورة واضحة، أحدث خلاف حول سياسة تقديم الائتمان السهل من جانب البنك المركزي الأوروبي، هناك مقاومة معتبرة من قبل بوندسبانك لإجراءات يعتقد كثيرون أنها أساسية لإنقاذ اليورو. وقد تكون هناك مخاوف من آثار تضخمية طويلة الأجل، لكن المسألة أصبحت الآن مسألة وجود – تماماً كما كان في اليونان عام 1947. امتنعت أمريكا عن التدخل حتى الآن. لكن، كما أعتقدت، إذا كنا ندخل مرحلة جديدة من أزمة اليورو تصبح فيها السياسة بالغة الأهمية، فمن الممكن أن يكون هناك مبرر ليس لانخراط أمريكي أكبر فحسب، بل لممارسة القيادة. وإذا لم يكن الأمر من أجل حماية الأوروبيين من أنفسهم، فمن أجل حماية بقية العالم من عواقب تفكك غير مسيطر عليه لمنطقة اليورو. الكاتب رئيس تحرير "فاينانشيال تايمز" والمقال مستند إلى محاضرة في إدنبره.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES