Author

تدخُّل 28 شباط العسكري وصمة عار في جبين الانقلابيين

|
أحيا الأتراك يوم الإثنين الماضي الذكرى الأولى لوفاة نجم الدين أربيكان، زعيم الحركة الإسلامية السياسية ورئيس الوزراء التركي الأسبق، الذي وافته المنية في 27 شباط (فبراير) 2011 عن عمر يناهز 85 عامًا، بفعاليات عديدة أعادت إلى الأذهان فصول المعركة التي خاضها إلى آخر أنفاسه. وبعد ذكرى وفاة أربيكان بيوم، كان الأتراك هذه المرة على موعد مع الذكرى السنوية الـ15 للتدخل العسكري الذي أدى إلى الإطاحة بحكومة أربيكان الائتلافية، حيث طلب قادة الجيش التركي من رئيس الوزراء آنذاك، نجم الدين أربيكان، في الاجتماع الشهير لمجلس الأمن القومي في 28 شباط (فبراير) 1997، التوقيع على وثيقة تتضمن ما أطلق عليه فيما بعد ''قرارات 28 شباط (فبراير)''، لمكافحة انتشار المظاهر الإسلامية. ذكرى رحيل أربيكان، وبعدها ذكرى تدخل ''28 شباط (فبراير)'' العسكري جعلتا الأسبوع الماضي حافلاً بفعاليات وحلقات نقاش ومقالات تحليلية تستذكر أحداث تلك الحقبة من تاريخ تركيا المعاصر، والنكسة التي تعرضت لها السياسة والحياة الديمقراطية، إضافة إلى سيرة أربيكان وما قام به قبل ذلك التاريخ وبعده؛ لأنه كان من أبطال تلك الأحداث وأبرز ضحاياها. لم يكن، بطبيعة الحال، أربيكان الضحية الوحيدة للتدخل العسكري الذي تم من خلال قرارات مجلس الأمن القومي، بل كانت هناك شريحة واسعة في المجتمع من الطلاب والطالبات ورجال الأعمال والكتاب والإعلاميين والأكاديميين وغيرهم سقطوا ضحايا جنون الجنرالات والموالين لهم. ولقد قال أحد الجنرالات الكبار إن النظام الذي أسسه العسكر والعلمانيون المتطرفون في تركيا بـ''قرارات 28 شباط (فبراير)'' سيعيش ألف سنة، لكن إرادة الشعب دفنته غير مأسوف عليه عبر صناديق الاقتراع في بضع سنين، دون إطلاق رصاصة واحدة، ودون اللجوء إلى أي أسلوب من أساليب العنف. الشعب التركي تَذَكَّر الثلاثاء الماضي الحملة الشرسة التي استهدفت حكومة أربيكان على صفحات الجرائد وشاشات القنوات التلفزيونية، وتَذَكَّر العناوين الرئيسة التي وضعت خدمة للانقلابيين وتمهيدًا للإطاحة بالحكومة، وكان الإعلاميون والسياسيون ورجال الأعمال في تلك الأيام يتسابقون لكسب وُدِّ العسكر ورضاهم، وكان رؤساء التحرير يهددون الوزراء والنواب ويبتزونهم لإجبارهم على الاستقالة. تدخل 28 شباط (فبراير) العسكري لم يستهدف فئة أو حزبًا أو جماعة معينة، إنما استهدف الشعب التركي بأكمله بشكل مباشر، وفرض سلسلة من القيود الصارمة على الحياة الدينية، وشكَّل ضربة قاصمة ضد الحريات والحقوق. ولذلك، فإن ''الشعب التركي لن يسامح الأشخاص الذين وقفوا وراء التدخل غير المسلح من جانب الجيش ضد الحكومة في 28 شباط (فبراير) عام 1997 حتى بعد مرور ألف عام''، كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أمام نواب حزب العدالة والتنمية، وسيظل هذا التدخل وصمة عار على جبين القائمين والداعمين له. لم ينسَ الأتراك ما يعرف بـ''غرف الإقناع'' في مداخل الجامعات لإرغام الطالبات المتحجبات من قبل الأساتذة على خلع الحجاب باستخدام جميع أساليب الترهيب والترغيب، مع سيل من العبارات المسيئة للمظاهر الدينية، ولم ينسوا دموع الطالبات اللاتي حُرمن من حقهن الطبيعي في إكمال دراستهن الجامعية. ولم ينسوا منع مروة قواقجي، النائبة المنتخبة بأصوات الشعب، من أداء اليمين الدستورية في البرلمان التركي، والمعاملة السيئة التي تعرضت لها، وأخيرًا سحب الجنسية منها؛ لأنها ارتكبت جريمة كبرى في نظر العلمانيين المتطرفين بتجرئها على دخول قاعة البرلمان لابسة الحجاب. ولم ينسوا الفساد المنتشر في تلك الفترة السوداء انتشار النار في الهشيم، متسترًا تحت عباءة الانقلابيين، وسرقة الأصول من قِبَل أصحاب البنوك أنفسهم، ليتم تعويضها بعد إعلان الإفلاس من ضرائب المواطنين العاديين، ولم ينسوا الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد وانهيار الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع قيمة الدولار خلال بضعة أيام إلى أضعاف مضاعفة. الشعب التركي الذي يذكر اليوم نجم الدين أربيكان بكل خير لا يُكِنُّ للانقلابيين مثقال ذرة من الاحترام، بل يطالب بمحاكمة كل من تورط في التدخل العسكري ومهَّد له وخدم الانقلابيين طوعًا لاستغلال الحالة غير الطبيعية في تحقيق مصالحه الشخصية، ظنًّا منهم أن النظام الذي بنوه على أسس من التضليل والأوهام سيعيش ألف سنة، وأن ما فعلوه سيبقى قيد الكتمان وأسرارهم لن تنكشف، لكنهم نسوا أن الظلم لا يدوم، والكذب حبله قصير، وأن الحقائق تخرج إلى العلن مهما طال الزمن. وفي هذا الإطار، تقدمت بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في تركيا إلى المحاكم بطلب محاكمة هؤلاء، كما أن هناك قضايا أخرى ستُرفع ضدهم في المستقبل القريب؛ لتتم محاسبتهم على ما ارتكبوه من الجرائم في تلك الفترة. لم تَغِبْ عن ذاكرة الشعب التركي فصول ومشاهد تدخل 28 شباط (فبراير) ولن تغيب. الانقلاب العسكري ما بعد الحداثي، الذي شهدته تركيا في 28 شباط (فبراير) قبل 15عامًا، ألقى بظلاله الثقيلة على مناحي الحياة، وكأن البلد تدنى في جميع المجالات إلى مستوى الحضيض، إلا أنه نجح في الخروج منه بسرعة فائقة ليصل إلى ما وصل إليه اليوم من مستوى الديمقراطية والحقوق والحريات، إضافة إلى النجاحات الاقتصادية، رغم أنف الانقلابيين!
إنشرها