Author

لكيلا تظل المنشآت الصغيرة كسيحة

|
إن المتأمل لنمو قطاع المنشآت الصغيرة أو المتوسطة يلفت انتباهه الظهور والاختفاء ثم الظهور السريع لبعضها أو تغيير نشاطها أو انتقالها من موقع إلى آخر.. وهذا ناجمٌ عن مصاعب في الاستمرار على نمط بعينه أو وفق نشاط محدّد أو في موقع بالذات.. أي أن ما يتحكم في نجاح منشأة صغيرة أو متوسطة قناعة إدارتها في أن وضعها الراهن لا يمكن أن يكون ذا جدوى اقتصادية، وهو ما يعني أن مبرر البقاء على النحو القائم سابقاً قد انتفى، ولا بد من مبرر جديد يوفر لها عملاً مجدياً تستثمر فيه ويعود عليها بالربح. إن هذا الانكشاف الذي تواجَه به عديد من المنشآت الصغيرة أو المتوسطة وينزع عنها جدوى استمرارها ما لم تعد تقييم نفسها، قد لا يكون مصدره سوء اختيارها نشاطاً دون آخر، وإنما لأن النشاط نفسه هو مما لا حاضن له بالأساس، أي لا وجود لمستهلك يعيش أو يستفيد منه.. لا في المستوى الاجتماعي العام ولا على مستوى تركيبة وبنية سوق العمل في قطاعي الإنتاج والخدمات.. ففي العالم الذي سبقنا في التصنيع وفي مجال صناعة الخدمات لم تكن المنشآت الصغيرة أو المتوسطة تقام على أساس افتراض طلب خدماتها أو منتجها، بل بناءً على أن هناك مصانع كبرى وشركات ومؤسسات صناعية أو تقنية أو خدمية نضعها في الاعتبار كمسؤولة عن القيام بأعمال ثانوية وضرورية أيضا مساندة، حيث إن تلك المصانع أو الشركات والمؤسسات لا تثقل كاهل استراتيجياتها وخططها التصنيعية أو التقنية أو الخدمية بأن تنهض هي بنفسها بعمل كل شيء.. وإنما تركز فقط على صلب عملها ومنتجها وخدماتها تاركة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أعمال المساندة الإنتاجية أو الخدمية، بمختلف أشكالها، فشركات السيارات مثلاً أو الطائرات حتى الأجهزة التقنية والكهربائية لا تنهض بصناعة جميع الأجزاء أو القيام بكل الخدمة وحدها، وإنما تتولى ما هو أساس في عملها لتتوزع بقية الأجزاء على منشآت صغيرة أو متوسطة سواء في عمليات تصنيع أو في عمليات أداء خدمات.. وهذه العلاقة بين الشركات الكبرى والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في العالم المتقدم أو حتى بعض الدول النامية كالصين والهند وماليزيا، هي ما ضمن للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الاستمرار والنمو والتطور، بل ما أدخل إلى السوق معها منشآت مثيلة في الحجم منافسة في الجودة والنوعية.. وحتما هذا في النهاية هو ما كرس الاستقرار والرسوخ لتلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة هناك بينما ظلت عندنا تعاني الاختفاء والظهور وتغيير النشاط كون الشركات والمصانع الكبرى لم تضع في اعتبارها نشوء الصغير والمتوسط من المنشآت أو أن هذه المنشآت نفسها لم تضع في اعتبارها أن تكون في نطاق المساندة لها. نعم.. لا تتحمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة ذنب كساحها الحالي أو هذا الوضع الرجراج وعدم الثبات والرسوخ.. ربما كوننا لم نتوافر بعد على المستوى الوطني على قاعدة صناعية تقنية متنوعة وحيوية تسمح لنشوء واستمرار منشآت صغيرة ومتوسطة على النحو الذي هو موجود في العالم.. الأمر الذي يتطلب ضرورة أن تتم مناقشة استراتيجية التصنيع الوطنية واستراتيجية التقنية والمعلومات واستراتيجية المدن الاقتصادية وغيرها من الاستراتيجيات ذات العلاقة بهدف وضع خريطة طريق لمنشآت صغيرة ومتوسطة تساند ما هو مزمع التوجه إلى إرسائه من قاعدة اقتصادية متنوعة كي تكون عناقيد الصناعة متكاملة مترابطة تجد فيها الصناعات والتقنيات والخدمات الرئيسة مساندة عملية بالإنتاج والخدمة تلبي الاحتياجات المطلوبة من خلال هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ما يجعل التنمية الصناعية مالكة للاستدامة.
إنشرها