منوعات

الكاتب يوسف المحمود: أكبر مصيبة حلت بالكتاب عدم قراءته

الكاتب يوسف المحمود: أكبر مصيبة حلت بالكتاب عدم قراءته

عشرات الروايات والكتب المترجمة والقصص القصيرة مكتوبة بخط يد الكاتب الساخر يوسف أحمد المحمود مازالت حبيسة أدراجه وزوايا مكتبته يرفض تسليمها لأي دار نشر خاصة خوفا من تعديل أي حرف فيها مع الإصرار في الوقت نفسه على التعامل مع اتحاد الكتاب العرب الذي نشر له بعض الكتب بينما أعاد له كتبا قيمة أخرى مع عبارة غير صالح للنشر. بشيء من المرارة يقول الكاتب التسعيني في مقابلة خاصة لوكالة سانا ..لا كرامة لنبي في وطنه مضيفا ان اتحاد الكتاب اعتذر عن نشر أول رواية كتبتها في السبعينيات عن سيرة حياتي وتجاربي منذ البدايات بعنوان الذيل الأصيل وردوها لي على أنها لا تصلح للنشر .. وكذلك رواية الموز الناضج التي نشرت على حلقات في مجلة النقاد ولكنها لم تنشر في كتاب. ويتابع المحمود قائلا.. عندما فازت روايتي مفترق المطر بجائزة اتحاد الكتاب قسموها مناصفة مع كاتب اخر في البداية ثم اعتذروا عن تسليمي أي مبلغ لعدم وجود رصيد.. وأنا لا أتعامل مع دور النشر الخاصة لأن القيمين عليها ينشرون حسب مزاجهم فيحذفون المقاطع التي لا توافقهم ويضيفون ما يحلو لهم ويطلبون مني اعادة قراءتها وهذا يأخذ مني وقتا فرواية مفترق المطر أمضيت أربع سنوات في كتابتها وأربع سنوات أخرى في اعادة قراءتها وتدقيقها. ويتدخل ابنه المهندس سلمان في الحديث ليقول ان أباه يخاف على الكلمة ولا يسمح لأحد في البيت أو خارج البيت بمساعدته سواء في التنضيد أو التدقيق أو مراجعة النصوص خوفا من حرق معلومة أو تغيير كلمة أو استبدال حرف ..بينما قالت زوجته أم سلمان ان زوجها متكتم جدا حول كتاباته وهو لا يسمح لنا بالاطلاع على ما يكتب ولا نعرف من رواياته التي لم تنشر سوى أسمائها. ويرد المحمود الذي يشعل السيجارة تلو الأخرى أثناء حديثه بأنه يتوخى دائما المحافظة على الواقعية والدقة في كتاباته وهو يعمل لأكثر من عشر ساعات يوميا بين قراءة وكتابة اذ يبدأ نهاره بقراءة القران وتفسير بعض الايات منه ثم يقرأ الصحف المحلية ليتفرغ بعدها لكتابة أي جديد او اعادة النظر في مقاطع من مخطوطات رواياته وهو يكتفي بوجبة واحدة في اليوم حرصا على وقته. والملفت أن الكاتب الذي ولد عام 1921 في قرية كفر شاغر التابعة للدريكيش بمحافظة طرطوس يستخدم الكمبيوتر في كتاباته بعد أن استغنى عن الورقة والقلم لصالح التكنولوجيا التي يعتبرها ضرورة حياتية مثلها مثل الكلمة ويرى أنها ثقافة ضرورية لابد منها لكل انسان ولكنه لا يفضل اللهاث وراء الانترنت والمواقع الالكترونية لدرجة تبعد الانسان عن القراءة فلا شيء برأيه يغني عن قراءة الكتاب 00مازال هناك من يقرأ ولكن بنسبة قليلة وعلى الكاتب بشكل خاص أن يقرأ أكثر مما ينشر ليطلع على تجارب غيره ويعرف حجم تجربته وتتوسع نظرته للأدب مشيرا إلى أن أكبر مصيبة حلت بالكتاب هي عدم قراءته والاستعاضة عنه بالسينما والتلفاز والصحافة الالكترونية ووسائل الاتصال الأخرى. واضافة الى الرواية والقصة القصيرة التي كان يوسف المحمود من أوائل الذين كتبوها في سورية فان له كتابات شعرية لكنه لم ينشرها في ديوان بل نشر بعض المقاطع الشعرية باسم مستعار في الصحف المحلية وقد كتب الشعر الذي كان في معظمه ساخرا باللغة المحكية اضافة الى اللغة الفصحى ولم يترك شيئا في حياته اليومية الا وكتب له شعرا بدءا من الممحاة والادوات البسيطة حتى رجال السياسة.. وكتب أول قصيدة عن الجلاء ألقاها في بلدته الدريكيش كان مطلعها .. يا مبدع الخلد حدث عن معالينا يفنى الزمان ولا تفنى مساعينا. والى جانب رواية مفترق المطر نشر يوسف احمد المحمود مجموعات قصصية تحمل عناوين حارة النسوان، المفسدون في الأرض، سلامات أيها السعداء، وواظب على كتابة زاوية إلى من يهمه الأمر في جريدة الثورة لمدة 36 عاما وكانت من اكثر الزوايا متابعة في الصحف السورية من قبل القراء لقربها من مشاكل الناس وهمومهم. وللأديب المحمود تجربة في الترجمة من اللغتين الفرنسية والانكليزية اذ ترجم ثلاثة أجزاء من أدب أمريكا اللاتينية لكنها لم تجد طريقها الى النشر ايضا بحجة أنها لم تترجم عن اللغة الاصلية التي وضعت بها 00كما ترجم مقالات سياسية من صحف عالمية مثل نيويورك تايمز، هيرالد تريبيون، نيوزويك ونشرها في الصحف المحلية. نعود إلى رواية مفترق المطر التي قال عنها الروائي السوداني الكبير الطيب صالح انها رواية عالمية بكل المقاييس والتي وصفها الصحفي أحمد علي بأنها ملحمة شعرية من الطراز الأرفع فقد سألنا الكاتب لماذا لم تأخذ هذه الرواية حقها من الشهرة والانتشار فقال .. ربما لأن الكتاب السوريين لايقرؤون لبعضهم ونادرا ما كتب عنها أحد او تناولها بالنقد ولم يعيروها اهتماما او التفاتة لأنني بعيد عن المقاهي الأدبية وليس لي علاقات شخصية او مصالح مع أحد.. علما انني كتبت الجزء الثاني من هذه الرواية -ويحمل بين يديه المخطوط الذي اصفرت أوراقه لقدمها- ولكنني انوي تدقيقها والتعديل عليها فانا لم أقرأها القراءة الثانية بعد. وبعد تقاعده في التسعينيات شعر يوسف المحمود بأنه حر في وقته وانه يستطيع استثمار هذا الوقت في القراءة والكتابة ومواكبة الأحداث السياسية حتى انه نظم القصائد في بعض هذه الأحداث بينما الف الروايات حول بعضها الآخر كرواية عنوانها تحت الصفر فوق الصفر التي تحدث فيها عن أحداث عربية وعالمية متجاهلا الأحداث المحلية وفي هذا يقول.. اشعر أنني لم أكن وفيا لمنطقتي ولبلدي ولنفسي لأنني لم أكتب عن الأحداث والتطورات السياسية التي عايشتها في سورية. وقبل أيام أصر الكاتب الذي تجاوز التسعين من العمر على الذهاب الى أقرب مركز للاستفتاء متكئا على عكازه ليمارس حقه الوطني ويقول نعم للدستور وفاء لسورية التي يعتبر ان لها حقا علينا مؤكدا ان سورية محمية فقد حماها الله برجالها الأبطال هنانو والعظمة والأطرش والعلي ويحميها اليوم بمواقف السوريين الشرفاء وكفاح أصحاب هذه المواقف.. وينصح الكاتب جيل الشباب من الكتاب بألا يفسدوا الواقع بل أن يكتبوه كما هو والا يحاولوا تهذيب الحياة لأن الحياة بطبيعتها غير مهذبة بل هي وقحة وصريحة 00يجب نقل الواقع بامانة لأن الواقع لايرحم. وهنا يتدخل ابنه سلمان مجددا ليقول ان كتابات ابيه نجحت لأنه استخدم في معظمها العبارات نفسها المستخدمة في الضيعة حتى أنه استخدم الاسماء نفسها للشخصيات التي كتب عنها مشيرا إلى أن كتاباته تعيد القارئ إلى أجواء القرية بكل تفاصيلها أيام الحصاد الشجر الحجر مخاطبة الحيوان قن الدجاج وهذا ما يجعل والدي من كتاب الأدب السهل الممتنع الذي يناسب كل الأعمار. الحلم الذي لم يتحقق للكاتب المحمود هو انه كان يتمنى أن يعمل صحفيا ميدانيا يغطي الأحداث على الأرض ويكتب عنها باللغات الاجنبية الى جانب العربية. ونستعير عبارة برنارد شو التي تنطبق على الأعمال الأدبية ليوسف المحمود إنتاج غزير وسوء في التوزيع لنتساءل عما اذا كانت مخطوطاته التي يتكتم عليها كالدرر الثمينة ستجد طريقها إلى النشر وتصبح بين أيدي القراء يوما ما.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من منوعات