Author

لعيب يا نواف..

|
مع مغادرة منتخبنا تصفيات كأس العالم، نعود إلى الوراء خطوات، ولا يفيدنا الآن البكاء على اللبن المسكوب، ولا ليت وعسى، فالأمر وقع، والحاجة الآنية تفرض التعامل مع الحدث، أولا ووقتيا بنظرية إدارة الأزمات وثانيا بفكر التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى. في الاتجاه الثاني، نحتاج إلى مراجعة أنفسنا في أشياء كثيرة على مستوى المسابقات والأندية والأنظمة واللوائح والقوانين والعاملين والمهتمين، وهذا لا يمكن حصره في مقال واحد ولا حتى دراسة سريعة. في الاتجاه الأول أجاد الأمير نواف بن فيصل، حينما أعلن ابتعاده ومجلس الاتحاد بالكامل في استقالة حقيقية وغير مسبوقة لم تذيل بالختمة الشهيرة ''بناء على طلبه''، وكلف لجنة مؤقتة بتسيير شؤون كرة القدم في البلاد حتى الانتخابات المقبلة. أجاد رئيس الشباب والرياضة في قراره، وأجاد إدارة الأزمة الوقتية بعد خسارة المباراة والتأهل، وتماشى في قراره مع سقف المطالبات الموجود في الشارع الرياضي، فأي قرار آخر سيكون مهدئا يرفضه جسد الرياضة في البلاد، وأي قرار آخر سيكون مرفوضا من غالبية الرياضيين، بل ربما زاد في الاحتقان الذي خلفته الخسارة المرة. نعم كان نواف ذكيا جدا وهو ينقل الكرة إلى ملعب آخر بعد الخسارة، وكان ذكيا جدا وهو يعترف بالمسؤولية ويبدأ بنفسه، وكان حريفا ولعيبا وهو يدير الأزمة كقائد دون أن يسمح لغيره علا شأنه أو هبط أن يتدخل في المؤسسة التي يديرها. أجاد في الاتجاه الوقتي الآني، وننتظر ما سيفعله في الأشهر الثلاثة المقبلة، وما هي الخطط واللوائح والقوانين والاستراتيجيات الجديدة، بعيدة المدى التي سيعلنها. لكن ما فاجأني هو رفض بعض أهل الرياضة قرار الاستقالة، وتصنيفه تحت قائمة قرارات امتصاص الغضب. ولهؤلاء الأعزاء الذين يختلفون مع القرار، نسأل: إذا اتفقنا أن صدمة الخسارة تحتاج إلى علاج يعتمد على اتجاهين أحدهما وقتي والآخر بعيد المدى، ماذا تريدون أكثر وقد تحقق الجزء الأول من المطالبات؟ أكثر من أن يقدم الرئيس ومجلسه استقالاتهم معترفين بالفشل؟ ماذا نفعل بهم؟ ماذا تقترحون؟ أريد أن أصل مع هؤلاء الزملاء الأعزاء ومع المشجعين المتحمسين لرياضة بلادهم إلى أبعد نقطة يطالبون بها فأفتونا مأجورين؟ هل نطالبهم بالانتحار مثلا أو نقدمهم لمحاكمة أم ماذا؟ في رأيي، أن نواف لعبها صح، وبحرفنة ومهارة، وواضح أن الرجل يملك في فريقه الجديد صنّاع لعب مهرة، وعليه وفريقه أن يستعجلوا التغيير، فسقف المطالبات ارتفع الآن، وقرار الاستقالة الجماعية أصبح ماضيا، وإن تكرر ربما لا يكون مقبولا من جديد. قبل كل هذا، لا ننسى أن في كرة القدم، مباراة واحدة قد ترفع اتحاد اللعبة إلى القمة، مباراة أخرى قد تهبط به إلى القاع، مباراة ثالثة يستقبل الاتحاد وأعضاؤه بالورد والقصائد، ومباراة أخرى قد يرجمون بعدها بالطماطم والبيض الفاسد. ـــ أنهيت والزميل العزيز سلمان الدوسري رئيس تحرير ''الاقتصادية'' جلستنا في وقت قصير جدا، لم نحتج وقتا أطول لنتفق، غادر الرجل وشطر من قصيدة نزار يتردد في ذهني: ما أحلى الرجوع إليه. أعود اليوم إلى ''الاقتصادية'' كاتبا بعد أن غادرتها صحافيا يتلمس طريقه في درب طويل بدأ منها، أعود إلى ''الاقتصادية'' وذكرياتها لا تبرح الذهن، مع زملاء سابقين سبّاقين بالفضل لا أنساهم، شكرا لمن أعادوني إلى تلك الأيام الجميلة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها