الركود الاقتصادي في «اليورو» يهدِّد بعودة الديون السيادية

الركود الاقتصادي في «اليورو» يهدِّد بعودة الديون السيادية

ظهرت في الأفق علامات على تصاعد أزمة الديون السيادية إلى منطقة اليورو، وذلك على الرغم من التفاؤل الظاهري في القمة الأوروبية التي اختتمت أعمالها بعد ظهر أمس الأول في بروكسل. وكان الإنجاز الأكبر لقادة الدول الأوروبية توقيع 25 منهم على معاهدة الانضباط في الموازنات العامة لهذه الدول، والتي تنص على الصرامة الواجب اتباعها في ضبط العجز في الموازنات العامة للدول الموقعة عليها، وتسمح المعاهدة لهذه الدول بالحصول على التضامن الأوروبي في حال مواجهة أزمة مالية كبيرة، ورفضت بريطانيا وتشيكيا التوقيع عليها. واعتبر هرمان منان رومبوي رئيس الاتحاد الأوروبي الذي جدد القادة الأوروبيون ولايته على رأس الاتحاد لمدة سنتين ونصف أن ميثاق الموازنة الجديد يشكل مرحلة مهمة لتعزيز الثقة بالاتحاد الاقتصادي والمالي الأوروبيين. فيما قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إننا في طور طي الأزمة المالية، وهذا الكلام جاء في الوقت الذي كانت فيه إسبانيا تعلن عن أنها لن تتمكن من احترام التزامها بتخفيض العجز في موازنتها العامة هذا العام إلى 4.4 في المائة من ناتجها الداخلي العام، وقال رئيس الوزراء الإسباني ماريو راخوي إن هذا العجز سيكون 5.8 في المائة، وبالتالي فإنه سيكون من غير المحتمل أن تخفض إسبانيا التي تعاني الركود الاقتصادي، العجز إلى 3 في المائة العام المقبل وفقا للمعاهدة الأوروبية الجديدة فلتحقيق هذا الهدف عليها أن توفر 40 مليار يورو، وهذه المسألة شبه مستحيلة في ظل الركود الاقتصادي الذي تشهده عدة دول أوروبية. وهكذا فإن شبح الركود الاقتصادي في منطقة اليورو هذا العام قد يترصد من جديد منطقة اليورو. وتحدث التعقيدات على مرحلة النقاهة التي بدأت تدخل فيها دول منطقة اليورو بعد الخروج من أزمة الديون السيادية، أو بشكل أدق بعد الهدوء الذي تسجله على جبهة أزمة الديون السيادية، وكما قال رئيس الاتحاد الأوروبي: إننا لم نخرج كليا من الأزمة ولكننا اجتزنا منعطفا مهما، والمنعطف المهم الذي تحدث عنه هرمان فان رومبوي هو إفلاس اليونان والمخاطر التي أحاطت بمنطقة اليورو، وجاء بعد إعطاء وزراء مالية الدول الأوروبية الضوء الأخضر المبدئي على خطة الإنقاذ الثانية لليونان والبالغة 130 مليار يورو. وذلك بعد أن اعتبر وزراء المالية الأوروبيون أن أثينا قد حققت كامل التزاماتها من خلال اقتراع البرلمان اليوناني على الإصلاحات الضرورية المطلوبة من اليونان، وقال رئيس وزراء مالية منطقة اليورو جان كلود يونكر أن أثينا نفذت كل الإجراءات التي طلبناها منها بشكل جيد. فقد أعطى وزراء مالية الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لمجموعة من التدابير التقنية التي تسمح بتنفيذ خطة إعادة جدولة الديون اليونانية والتي بموجبها سيتمكن صندوق الاستقرار الأوروبي من تقديم 35 مليار يورو إلى المصرف المركزي الأوروبي كضمانات خلال عملية تبادل الديون اليونانية. أي خلال إعطاء الحكومة اليونانية سندات خزانة جديدة للدائنين بدلا من السنوات القديمة، وذلك بعد شطب أكثر من نصفها، كما أن صندوق الاستقرار الأوروبي سيدفع 30 مليار يورو للمصارف الخاصة وصناديق التحوط التي تبادل سنداتها القديمة بالسندات الجديدة أي نحو 30 في المائة من قيمة الديون المتبقية التي ستصدر بسندات جديدة. كما أن الصندوق سيبقي بقيمة 5.5 مليارات يورو من فوائد الديون اليونانية التي استحقت. كما أنه سيقدم 23 مليار يورو كدفعة أولى للنظام المصرفي اليوناني لكي يتمكن من مواجهة صدمة إعادة جدولة الديون اليونانية. علما أن المصارف اليونانية في حاجة إلى 50 مليار يورو. وتقول مصادر صندوق الاستقرار الأوروبي إن كل التدابير قد اتخذت لتنفيذ خطة الإنقاذ الأوروبية وعلينا الآن انتظار مرحلة تبادل سندات الديون اليونانية مع المصارف الخاصة وصناديق التحوط والصناديق الاستثمارية. والضوء الأخضر النهائي لخطة الدعم الأوروبية لليونان يفترض أن يعطى بعد التاسع من الشهر الجاري أي بعد انتهاء مرحلة شطب الديون التي اتفقت عليها الحكومة اليونانية مع المصارف الخاصة والتي بموجبها تتخلى المصارف عن 107 مليارات يورو مقابل سندات خزانة يونانية جديدة وبفوائد أقل. حيث سيستعرض وزراء مالية الدول الأوروبية نتائج عملية إعادة جدولة الديون اليونانية الخاصة، ويقول الخبراء إنه لكي تنجح هذه العملية فإن المشاركة في شطب الديون يجب أن تكون على الأقل بنسبة 65 في المائة، والنجاح الحقيقي يعني المشاركة بنسبة 90 في المائة من القطاع الخاص. وسيتم إطلاق الخطة الأوروبية الثانية لليونان بين الـ 12 والـ 14 من الشهر الجاري. وفي 13 منه سيجتمع صندوق النقد الدولي ليحدد حجم المشاركة في خطة إنقاذ اليونان. ولكن المشكلة بالنسبة لهذه النقطة هي أن الصندوق يهمس بربط مشاركته بمساندة اليونان بتعزيز قدراته الذاتية أي بزيادة رأسماله. وتشترط دول مجموعة العشرين على الدول في منطقة اليورو زيادة حجم صندوق الاستقرار الأوروبي لكي تزيد من مساهمتها في صندوق النقد الدولي. وعلى الدول الأوروبية التي تمكنت من تهدئة الأسواق بفضل الإجراءات والقرارات التي اتخذتها لدعم اليونان وتخفيض العجز في ميزانياتها العامة، وبشكل أساسي بفضل الألف مليار يورو التي قدمها المصرف المركزي الأوروبي كقروض استثنائية لمصارف منطقة اليورو لتخفيف الضغوط عن السندات الأوروبية ولكن أيضا لتشجيع الانتعاش الاقتصادي، على الدول الأوروبية أن تجد السبل الكفيلة بتحقيق هذا الانتعاش. وحتى الآن يعجز القادة الأوروبيون عن العثور على الصيغة التي توقف بين السياسات التقشفية لتخفيض الديون السيادية والدعم اللازم للنشاط الاقتصادي في الوقت الذي يفترض أن تشهد فيه منطقة اليورو ركودا اقتصاديا للمرة الثانية في غضون ثلاث سنوات. وإذا لم تتمكن دول منطقة اليورو من العثور على الطريق المؤدي إلى النمو الاقتصادي، فإن شبح أزمة الديون السيادية يمكن أن يظهر من جديد.
إنشرها

أضف تعليق