Author

التهديد الإيراني لدول الخليج ودستور «أوبك» (2 من 2)

|
نظراً لأن إيران وأربع دول خليجية هي السعودية، الكويت، الإمارات، وقطر، أعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول ''أوبك''، فإن من المناسب أن نتناول في ضوء أحكام دستور هذه المنظمة موضوع التهديد الإيراني باتخاذ إجراءات شديدة ضد دول الخليج العربي إذا أقدمت على زيادة إنتاجها النفطي لسد أي نقص محتمل في الأسواق النفطية الدولية بسبب العقوبات الغربية على إيران. ونسلسل القول في هذا الشأن على النحو التالي: أولا: إن من أهم أهداف منظمة ''أوبك'' المنصوص عليها في دستورها ضمان استقرار الأسعار في أسواق النفط العالمية بغية إزالة أية تقلبات ضارة ولا موجب لها. وبناء على ذلك قامت السعودية ودول أخرى أعضاء في ''أوبك'' بزيادة إنتاجها لسد النقص في الإمدادات الذي حدث إبان أزمات سابقة مثل أزمة الاحتلال العراقي لدولة الكويت، حيث قامت دول أعضاء في ''أوبك'' ومن ضمنها إيران بسد النقص الحاصل من توقف الإنتاج الكويتي والعراقي وإمداد سوق النفط بما تحتاج إليه، كذلك قامت السعودية ودول أخرى بسد النقص الذي حصل بسب توقف إنتاج النفط الليبي بسبب اشتعال الثورة الليبية ضد نظام العقيد الهالك معمر القذافي. ولا ريب أن تصريح وزير البترول السعودي بأن لدى بلاده القدرة على سد أي نقص قد يحدث في أسواق النفط الدولية كان يهدف إلى تهدئة الأسواق واستقرار أسعار النفط ومنعها من الارتفاع غير المقبول اقتصادياً جراء الذعر من احتمال نقص الإمدادات بسبب التهديدات المتبادلة بين الدول الغربية وإيران. ولا ريب أن ما هدف إليه تصريح الوزير السعودي قد تحقق إلى حد كبير فضلاً عن أنه كان ضمن نطاق أهداف ''أوبك''. ولذلك فإن منطق التهديد الإيراني لدول الخليج العربي يتعارض مع أهداف ''أوبك'' وسوابق ممارسات أعضائها خلال الأزمات فضلاً عن أنه لا يتفق مع مبادئ القانون الدولي العام خصوصاً مبدأ حسن الجوار ومبدأ التعايش السلمي. ثانياً: يمكن القول إن جميع دول ''أوبك'' ملزمة من حيث المبدأ بالتقيد بالسقف الإجمالي للإنتاج الذي حددته المنظمة بقرار صادر بالموافقة الاجتماعية للدول الأعضاء، ولذلك فإن أي دولة عضو تزيد إنتاجها لسد النقص الحاصل بسبب نقصان أو انقطاع الإمدادات من دولة عضو أخرى لا يعد انتهاكاً لالتزاماتها طالما أن الزيادة في حدود السقف الإجمالي المتفق عليه. علماً أن مؤتمر ''أوبك'' الذي انعقد يوم الأربعاء 14/12/2011 حدد السقف الإجمالي الحالي بنحو 30 مليون برميل يومياً من دون تحديد حصص الإنتاج لكل دولة عضو. ثالثاً: إن دول ''أوبك'' غير ملزمة بموجب دستور المنظمة بالتضامن مع إيران ضد مقاطعة نفطها من قبل دول أخرى، فالحالة الوحيدة التي تلزم دول ''أوبك'' بالتضامن مع دولة عضو هي التي نصت عليها المادة الرابعة من دستور ''أوبك'' والتي قررت أنه (إذا ما نجم عن تنفيذ أي قرار من قرارات المنظمة أن قامت شركة أو أكثر من الشركات المعنية، باتخاذ إجراءات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ضد أي قطر واحد أو أكثر من البلدان الأعضاء، فإنه لا يجوز لأي عضو من الأعضاء الآخرين أن يقبل عرضاً ينطوي على محاباة له ــــ سواء كان ذلك بزيادة الصادرات أو برفع الأسعار ـــ قد تعرضه عليه أية شركة أو شركات معنية كهذه بغية إعاقة تنفيذ قرار المنظمة). وواضح من نص المادة الرابعة سالفة الذكر أنها لا تنطبق على الحالة الإيرانية لأن قرار حظر شراء النفط الإيراني اتخذته دول وليس شركات وهو ليس ناجماً عن تنفيذ إيران لأي قرار من قرارات ''أوبك'' وإنما ناجم عن عدم تعاونها مع المجتمع الدولي بشأن تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة ببرنامجها النووي المثير للجدل والمثير للقلق. رابعاً: طبقاً لمبادئ القانون الدولي العام فإن من حق أي دولة أن تمتنع عن استيراد النفط الإيراني، كما أن من حق إيران حظر تصدير نفطها إلى أي دولة، إلا أنه ليس من حقها منع غيرها من الدول من تصدير نفطها، بل إن التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات نفط دول الخليج العربي ليس مخالفاً لأحكام القانون الدولي للبحار فحسب، بل يعد أيضا انتهاكاً لأحكام دستور منظمة أوبك الذي جعل من أهداف المنظمة مراعاة مصالح الدول المنتجة للنفط في جميع الأوقات وتوفير إمدادات نفطية منتظمة للدول المستهلكة ومردود عادل عن رأسمال المستثمرين في صناعة النفط. ولا شك أن إغلاق المضيق سيعطل انتظام الاستمرار في تحقيق هذه الأهداف. ولذلك فقد كان أمين عام أوبك عبد الله البدري محقاً عندما حذر إيران من عواقب إقدامها على إغلاق مضيق هرمز، مشيراً إلى أن الشرق الأوسط والخليج العربي في حاجة إلى الاستقرار وليس الحرب. كما حذر السفير الصيني لدى السعودية (لي تشينج وين) من عواقب إغلاق مضيق هرمز، مشدداً على أن هذا المضيق ممر دولي لا يحق لأحد إغلاقه، منوهاً بظهور أصوات في إيران لا ترغب في إغلاق المضيق ولا تؤيد هذا التوجه، مع ظهور تصريحات في أمريكا ترفض ضرب إيران عسكرياً من قبل إسرائيل أو أية دولة أخرى. خامساً: يبدو مما سبق أن المسؤولين الإيرانيين يتجاهلون أن حرب بلادهم الاقتصادية ليست مع دول الخليج العربي بل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن ميدان هذه الحرب قابل للامتداد والاتساع إذا انضمت دول آسيوية إلى حظر شراء النفط الإيراني، فالمعروف أن نحو 65 في المائة من الصادرات النفطية الإيرانية ترسل إلى الدول الآسيوية، خصوصاً الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، ولذلك فإنه من أجل إحكام طوق هذا الحظر تسعى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى إقناع هذه الدول بالامتناع عن شراء النفط الإيراني أو على الأقل الحد من وارداتها من هذا النفط. بل إن الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند أعلنت أن الولايات المتحدة تريد أن تتخذ جميع دول العالم قراراً مثل القرار الأوروبي. ولذلك فإن على إيران أن تكف عن محاولاتها ابتزاز دول الخليج العربي وتحميلها وزر هذه الحرب الاقتصادية التي صممت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على إشعالها آملاً في أن تؤدي إلى إذعان إيران لمطالب المجتمع الدولي بشأن الرقابة الدقيقة على نشاطها النووي للتأكد من سلميته. وأخيراً يتعين على الولايات المتحدة والدول الأوروبية التخلي عن سياسة المعايير المزدوجة وأن تفرض عقوبات رادعة على إسرائيل المدججة بالسلاح النووي، والمارقة عن القانون الدولي المنظم لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية.
إنشرها