Author

ماذا وراء تراجع قضية المناخ من الاهتمام الدولي؟ (1 من 2)

|
إن دلت مجريات ووقائع وقرارات مؤتمر التغير المناخي الذي عقد في مدينة دوربان في إفريقيا الجنوبية برعاية الأمم المتحدة في نوفمبر وديسمبر الماضيين على شيء، فإنها تدل على تراجع أجندة المناخ في قائمة الاهتمامات العالمية. ليس بسبب المواقف المتباينة بشدة بين المجموعات الدولية حول هذه القضية فحسب، ولكن وبقدر أهم، بسبب المستجدات التي شهدها العالم على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والتقنية. ويذكر في هذا السياق أن الهدف الرئيسي لمؤتمر دوربان كان وضع معاهدة أو بروتوكول جديد يخلف بروتوكول كيوتو الذي ينتهي مفعوله في عام 2012. كما يجدر التذكير أن بروتوكول كيوتو يلزم الدول الصناعية المتقدمة وحدها بإجراء تخفيضات محددة على انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، بينما لا يلزم الدول النامية بأي إجراءات من هذا القبيل. والمبرر الرئيس لهذا التمييز هو أنه نظرا لأن انبعاثات الغازات الدفيئة هي تراكمية الطابع فإن الدول الصناعية هي المسؤول الأكبر عن هذه التراكمات بسبب مسارها التنموي الطويل والقديم، بينما مسار التنمية في الدول النامية بالمقارنة هو حديث نسبيا. لكن مؤتمر دوربان فشل في وضع بروتوكول جديد، كما أنه فشل في تمديد البرتوكول الحالي. هذا على الرغم من مباحثات مضنية تم تمديدها ليومين تجنبا لفشل المؤتمر، حيث انتهى بمساومة لغوية تحظى برضا الجميع من خلال حفظ ماء الوجه وتوفير مخرج للتملص من أي التزامات مكلفة في الوقت الحاضر. حيث أفضت نتائج المؤتمر إلى الاتفاق على أن يبدأ التفاوض على معاهدة تخلف معاهدة كيوتو تفضي إلى ''نتائج متفق عليها لها قوة القانون'' بدل ''اتفاقية ملزمة قانونيا'' التي لم تلق قبولا. على أن يتم إعدادها بحلول عام 2015 وأن يسري مفعولها بعد عام 2020. ويفترض بهذه المعاهدة أن تحدد التزامات جميع الدول دون استثناء، أي أنها لن تميز بين مجموعات الدول المتقدمة والدول النامية. ولعل العامل المهم في تراجع أجندة المناخ هو التطور في موقف الإدارة الأمريكية الذي كان يتوقع له، مع مجيء الحزب الديمقراطي بزعامة الرئيس باراك أوباما إلى الحكم، أن يشهد تغيرا جذريا يتمثل في دعم أمريكا لأجندة المناخ وأن يلتقي موقفها في ذلك مع موقف الاتحاد الأوروبي، وأن يتم ترجمة ذلك عمليا بالتوقيع على معاهدة كيوتو ودعمها. حيث إن الإدارات الأمريكية السابقة رفضت اعتماد البروتوكول بحجة أنه لا يلزم الدول النامية بتخفيض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة. وفعلا بادرت إدارة الرئيس أوباما خلال سنواتها الأولى إلى اعتماد استراتيجية طموحة لتطوير مصادر الطاقة البديلة، لا تهدف إلى تقليص الاعتماد على الطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) فحسب، بل تؤدي أيضا إلى خلق عدد كبير من فرص العمل للأمريكيين، وتسهم في ذات الوقت في تخفيض اعتماد الولايات المتحدة على الواردات من النفط. إلا أن بروز عدد من المستجدات أفضى إلى إضعاف زخم هذه السياسة، أبرزها ما يلي: ــــ سيطرة الحزب الجمهوري، الذي لا يشارك حماس الديمقراطيين في قضية المناخ، على مجلس النواب الأمريكي في الانتخابات النصفية، الأمر الذي جعل من الصعب على الإدارة تمرير سياساتها في هذا المجال. ــــ انخفاض أسعار النفط عن المستويات القياسية التي وصلتها قبل عام 2008، الأمر الذي أضعف من الجدوى الاقتصادية لبرامج تطوير الطاقة المتجددة والبديلة، ورفع من فاتورة دعمها. هذا في الوقت الذي اشتد الخلاف بين الإدارة الأمريكية والمعارضة النيابية حول عجز الميزانية الفيدرالية وأهمية تخفيض النفقات الحكومية بأشكالها المختلفة. - عدم تحقيق برامج الطاقة المتجددة المدعومة للأهداف الاقتصادية المرجوة منها، وتحديدا توليد فرص العمل للأمريكيين، بسبب المنافسة القوية التي تلقاها الصناعة الأمريكية في هذا المضمار من الصين وغيرها، خاصة في صناعة الخلايا والألواح الشمسية. ــــ التأثير السلبي على المنظور المستقبلي للطاقة النووية نتيجة حادثة فوكوشيما النووية التي نتجت عن الزلزال الذي وقع في اليابان العام الماضي. خاصة أن أي مسار بديل للطاقة الأحفورية لا بد أن يعتمد بشكل أساس في الأمد المنظور على الطاقة النووية.
إنشرها