Author

الحوار المشفر

|
الحوار الصامت في مجتمعاتنا له مظاهر وشواهد. أبسطها أن يلتقي خمسة أشخاص في استراحة بشكل يومي، يتحاورون ويتناقشون ويحللون، ثم ينصرفون للنوم قريري الأعين. إحساسهم الداخلي بفهم ما حولهم، يجعلهم يجزمون أن سواهم لديهم نفس الفهم المشترك. هم ربما لم يلتقوا بهم، لكنهم حتما يعتقدون هذا. هم يتصورون أن لقاء الاستراحة يمكنهم من استشفاف نظرتهم لما حولهم. على أكثر من صعيد من حياتنا، هذا الشكل من الحوار، هو الذي يصوغ الأفكار. ولهذا تبقى المفاهيم متناثرة، إذ إن الجميع يتحدثون عن هموم مشتركة، لكن يظل الحديث عبارة عن عناقيد من الكلام المملوء بالحلم والمرارة. لكنه يبقى كلاما للريح، حتى وإن تشابهت بعض تفاصيله بين هنا وهناك. من لا يجد مسكنا يظل همه الأول والأخير تتبع الأخبار والشائعات التي تتعلق بهذه المسألة. وهو يتصور أن الجميع لا يفكرون سوى في قضية السكن. يمكن قياس هذا الأمر على قضايا أخرى تتعلق بالصحة والتعليم والتوظيف..إلخ. مشكلة كل هذه الشرائح، أنها نتيجة حالات الحوار الصامت، تلوذ بالحوار البديل. وهذا الحوار البديل ـ عبر الإنترنت ـ يتلون عادة بألوان الحوار الصامت، فيعطي صورة أخرى غير الصورة التي يتمناها من يستشرف الرؤية ويرسم الاستراتيجية. النتيجة أن المتحاورين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يعبرون عن خيبتهم، والمسؤول يعبر عن خيبته في أن جهده غير مشكور. وسط هذه الخيبات تبقى للحوار وجهة واحدة، وطرف واحد. وهو حوار لن يحقق نتائج.
إنشرها