Author

سلاح النفط والتهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز (2)

|
استكمالا لموضوع مقال الأسبوع الماضي، أجد من المفيد أن أشير إلى أمرين، الأول أن إيران كانت في السابق تربط تنفيذ تهديدها بإغلاق مضيق هرمز بتعرضها لهجوم عسكري من قبل الدول الغربية، وفي هذه المرة ربطت تهديدها بإغلاق المضيق بفرض حظر على شراء النفط الإيراني. وهذا الربط غير قانوني، إذ لا يجوز إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية لامتناع عدد من الدول عن شراء النفط الإيراني، أو منع مواطنيها أو شركاتها من شراء هذا النفط، فلكل دولة الحق السيادي في أن تحدد سياستها في هذا الشأن كيفما تشاء، علماً أن تجارة النفط الخام لا تخضع لأحكام اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وتبعاً لذلك فإنه لا تترتب أي مسؤولية على الدول التي تحظر شراء النفط الإيراني. فالربط الإيراني بين استمرار الملاحة عبر مضيق هرمز باستمرار شراء نفطها ربط غير مقبول من الناحية القانونية. لذلك أصاب كبد الحقيقة البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء السعودي عقب الجلسة الاعتيادية التي عقدها يوم الإثنين 15/2/1433هـ الموافق 9/1/2012 برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي جاء فيه (أن المملكة ترى أن مقاطعة الواردات البترولية من أي مصدر، هو شأن داخلي يخص كل دولة، أما فيما يتعلق بمبيعات المملكة من البترول فإنها عملية تجارية بحتة تتم عبر ارتباط بين الشركات البترولية السعودية من ناحية وشركات البترول التجارية التي تشتري البترول السعودي من ناحية أخرى حسب الأسس التجارية والتسويقية المتعارف عليها)، وجدير بالذكر في هذا الصدد أن دول الاتحاد الأوروبي توصلت أخيراً إلى اتفاق مبدئي لحظر استيراد النفط الخام الإيراني في حال عدم التزام الحكومة الإيرانية بالتعاون مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، لكنها لم تقرر موعد تطبيق هذا الحظر، وأن الجهات المختصة في الاتحاد الأوروبي ما زالت تبحث الموعد المناسب لتطبيق هذا الحظر. وبهذا الاتفاق تخلت الدول المعارضة للحظر مثل اليونان عن اعتراضاتهم ولم يعد مبدأ الحظر محل نقاش. وأعلنت الولايات المتحدة دعم الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وقال مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية (إنه يمكن تقييد عائدات طهران من بيع النفط الخام من دون الإضرار بأسواق النفط العالمية، وإن خفض واردات النفط الإيراني على مراحل وفي توقيتات مناسبة يمكن أن يجنب الأسواق أي اضطرابات). وإذا نفذت دول الاتحاد الأوروبي قرار الحظر فإن ذلك يعني حرمان إيران من بيع 450 ألف برميل من النفط الخام يومياً، ما سيلحق بالاقتصاد الإيراني ضرراً فادحاً. ومن جهة أخرى، صرح مسؤول كبير في قطاع النفط الإيراني أن إيران لديها طرق بديلة لبيع نفطها إذا حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الخام الإيراني، وأنها تعتزم تصدير نحو 2.3 مليون برميل يومياً هذا العام، وسبق أن صرح رستم قاسمي وزير النفط الإيراني بأن بلاده تستبعد فرض حظر على نفطها وأنه لو حدث ذلك فالعالم واسع، وإيران لديها عملاء يكفونها وزيادة. ويثور هنا تساؤل: إذا كان لدى إيران، كما تزعم، طرق بديلة لبيع نفطها فلماذا تهدد بإغلاق مضيق هرمز في حال فرض حظر على استيراد نفطها وتعرض المنطقة لأخطار مواجهة عسكرية؟ قد يكون الهدف الإيراني من هذا التهديد التأثير النفسي في أسواق النفط الدولية بغية إرباكها وبث الذعر من احتمال انقطاع أو نقص الإمدادات من أجل دفع أسعار النفط إلى الارتفاع، وأن تستخدم الارتفاع المستمر لأسعار النفط وسيلة ضغط في صراعها السياسي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي. والأمر الآخر أن بعض المدافعين عن الموقف الإيراني يجادلون بأن إيران لها الحق في إغلاق مضيق هرمز لأنها غير ملزمة بأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لأنها وإن كانت قد وقعت على هذه الاتفاقية إلا أنها لم تصادق عليها بعد. وهذا القول مردود عليه بأن قاعدة حرية الملاحة في المضايق الدولية التي تصل بين جزء من أعالي البحار بجزء آخر هي قاعدة عرفية ملزمة، نشأت واستقرت منذ زمن قديم، وأكدتها محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام 1949 في القضية التي كانت قائمة بين بريطانيا وألبانيا بشأن مضيق كورفو، حيث تضمن هذا الحكم مضمون هذه القاعدة التي تعطي للسفن الأجنبية حق المرور البريء عبر المضايق الدولية المستعملة للملاحة الدولية التي تصل بين جزءين من البحار العالية. ثم قننتها اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي والمنطقة المجاورة لعام 1958، التي لم تكتف بتطبيق هذه القاعدة على المضايق الدولية التي تصل بين بحرين عاليين، بل طبقتها أيضاً على المضايق الدولية التي تصل بحراً عالياً بالبحر الإقليمي لأي دولة. فلا يجوز بموجب هذه الاتفاقية إيقاف المرور البريء عبر المضايق الدولية، ثم جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 فأكدت مبدأ حرية الملاحة عبر المضايق الدولية مستحدثة نظاماً جديداً هو (نظام المرور العابر)، الذي لا يقتصر فيه حق المرور على السفن، بل يشمل أيضاً الطائرات التي تعبر أجواء المضيق بينما كان نظام المرور البريء المنصوص عليه في اتفاقية جنيف مقصورا على الملاحة البحرية ولا يشمل الملاحة الجوية فوق المضايق الدولية. وبمصادقة معظم دول العالم على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أصبحت هذه الاتفاقية قانوناً دولياً ملزماً حتى للدول التي لم تنضم إليها. بل إن محكمة العدل الدولية ذهبت إلى وجوب مراعاة الاتفاقية المذكورة عندما كانت مجرد مشروع تحت الدراسة والمناقشة، حيث قررت المحكمة في حكمها الصادر في 24/2/1982م في النزاع الذي كان قائماً بين ليبيا وتونس حول منطقة الجرف القاري الواقعة بينهما أنه لا يمكن للمحكمة أن تغض الطرف عما ورد في مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار من أحكام يمكن أن تصبح ملزمة لأطرافها في حال إبرامها كما أنها ملزمة لجميع أعضاء المجتمع الدولي لأنها تعتبر تأييداً أو بلورة لقاعدة عرفية دولية سبق وجودها أو في سبيلها للوجود. وترتيباً على ما سبق فإن اتفاقية الأمم المتحدة تعتبر حجة على جميع دول العالم. حتى لو افترضنا أن هذه الاتفاقية غير ملزمة للدول التي لم تصادق عليها فإن حرية الملاحة عبر المضايق الدولية تظل قاعدة عرفية ملزمة لهذه الدول، وبالتالي لا يحق لإيران أن تعرقل الملاحة عبر مضيق هرمز الذي يربط البحر العالي للخليج العربي بالبحر العالي لخليج عمان ثم المحيط الهندي. لذلك فإنه لا جرم أن يصرح ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي بأن بلاده لن تسمح بإغلاق مضيق هرمز وأنه خط أحمر بالنسبة إليها، وأن يصرح رئيس أركان القوات المسلحة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي بأن إغلاق مضيق هرمز سيكون عملاً لا يمكن السكوت عنه وسنتحرك وسنعيد فتحه. وأشار إلى أن الإيرانيين (استثمروا في وسائل يمكن أن تتيح لهم إغلاق مضيق هرمز لفترة ونحن استثمرنا في وسائل تكفل لنا الغلبة في مثل هذه الحالة).
إنشرها